عماد الدين حسين
.......................
سؤال أرجو أن نجد له إجابة واضحة:
هل لدى الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها المختلفة معرفة فعلية بكل الفئات الموجودة فى المجتمع، وكيف يفكرون؟!!.
أطرح هذا السؤال بسبب ما تلقيته من ردود فعل مختلفة على ما نشرته يوم الجمعة قبل الماضية، تحت عنوان «سقوط نظرية حارس البوابة».
من بين ردود الأفعال، كانت الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى، التى أكدت على ضرورة التعرف على كل الفئات الموجودة فى المجتمع، والتعامل مع الواقع الجديد الذى نعيشه.
لمن لم يقرأ المقال فإنه لم يكن يدور جوهريا حول ظاهرة مطرب المهرجانات حمو بيكا، بقدر ما كان يدور حول فكرة أن شخصا ما من خارج المنظومة الرسمية، استطاع الوصول إلى عشرة ملايين مواطن، مسقطا النظرية الإعلامية التقليدية الشهيرة «حارس البوابة»، أى ذلك الشخص أو الجهة التى تفلتر الرسائل والمواد الإعلامية، وتسمح بأشياء وتمنع أشياء أخرى.
أحد ردود الأفعال لفتت نظرى إلى زاوية أخرى شديدة الأهمية وهى أنه لم تعد هناك «مصر واحدة»، ولا نستطيع أن نقول تعبيرات عامة مثل: الشباب أو الناس أو المصريون؛ لأنه صارت هناك مسافات ومساحات واختلافات داخل كل فئة من هذه الفئات.
مسئول مهم جدا بعث لى برسالة على الواتساب، يقول فيها: أرجو أن نفكر وندرس أن «الأستاذ فيجو الدخلاوى» وهو منتج وموزع أغنية حمو بيكا «رب الكون ميزنا بميزة» قد استطاع الوصول إلى ٢٤ مليون مشاهدة، وهذا رقم مخيف. والغريب كما يقول المسئول: إنه كتب أن الأغنية من إنتاج ٢٠١٩!.
مرة أخرى ليس حديثنا اليوم إطلاقا عن أغانى المهرجانات، بل عن ظاهرة وصول أشخاص وقوى من خارج الصندوق تماما إلى الناس. لا نحكم على هؤلاء بالسلب أو الإيجاب، لكن نناقش الظاهرة، لندرك أن الخريطة والوسائل والأدوات تغيرت تماما عما كنا نعتقد أنه البديهى.
المسئول الذى تواصل معى كتب يقول: «منذ اندلعت خناقة حمو بيكا وأنا أحاول التعرف على هذا العالم اقتناعا منى أن المسئول مهم أن يعرف كل فئة، ويطلع على أفكارها ومبادئها وهمومها. هو عالم له منظومة قيم وتحكمه قوانين خاصة».
حمدت الله أن هناك من بين المسئولين من تشغله هذه الظواهر المستحدثة.
للأسف الشديد معظم تفكيرنا ــ الحكومة والمجتمع المدنى ــ يتمحور حول نفس الطرق والآليات القديمة. نعتقد أن الشباب المصرى كتلة واحدة، ويفكر بصورة نمطية واحدة. لا ندرك فعلا أن هناك ملايين تتمحور حول عمرو دياب وتامر حسنى ومحمد منير، وملايين تعشق حمو بيكا ومجدى شطة وغيرهما، وملايين صارت منصرفة تماما عن الفن المصرى وتستمع لمطربين أجانب لا نعرف عنهم شيئا. وما يحدث فى مجال الغناء يتكرر فى مجالات أخرى كثيرة مثل الأفلام والأدب والعلوم، وأجازف وأقول ربما الأديان!
السوشيال ميديا غيرت كل القواعد، وعلى الحكومة أن تقتنع أن الصحف الورقية التى لا توزع مجتمعة أكثر من ٣٠٠ ألف نسخة يوميا، لم تعد تؤثر فى غالبية الناس، بالصورة التى تعتقدها.
حكاية حمو بيكا وفيجو الدخلاوى تعنى ببساطة أن طرق وآليات التأثير اختلفت تماما، وبالتالى وبدلا من انشغال الحكومة بالتضييق على الصحف ووسائل الإعلام التقليدية، أن تفكر فى كيفية مواجهة وحش السوشيال ميديا.
القصة لا تتوقف على التأييد أو المعارضة، بل على التأثير فى الناس وخلق قناعات وأفكار ومواقف ورؤى جديدة لا تعرف الحكومة وغالبية المجتمع عنها شيئا.
الحكومة منشغلة فقط بمن يؤيد ومن يعارض، وتنسى أن الأخطر من ذلك هو أنها تفقد الزمام والمبادرة تماما فى الوصول للناس أولا، والتأثير فيهم ثانيا.
أتمنى أن نجد مركز أبحاث وعلوم اجتماعية جادًا يتقدم ويفكر فى دراسة مثل هذه الظواهر الجديدة، واقتراح حلول للتعامل معها. لا أدعو مطلقا إلى مصادرتها، لأن ذلك ليس حلا، بل إلى فهمها لكى نعرف كيف نتعامل معها.
إذا كان حمو بيكا قد وصل إلى عشرة أو ٢٥ مليون مشاهد أو مستمع. فالسؤال الجوهرى ماذا فعلت الحكومة والمجتمع المدنى وعالم الفن والثقافة للوصول إلى الناس؟!
إذا كانت الغالبية تنتقد أغانى المهرجانات، فما هى نوعية الفن الجاد والمتميز الذى أنتجوه ليقدموه إلى الناس؟!
وربما يكون السؤال الجوهرى أولا: هل صارت الحكومة أصلا قادرة على الوصول للناس، حتى يمكنها التأثير فى أفكارهم وقناعاتهم وبالتالى توجهاتهم؟!