آخبار عاجل

«خريف الشاشات» بقلم الكاتبة عصمت الموسوي

15 - 10 - 2018 12:00 708

بقلم الكاتبة : عصمت الموسوي

...........................................

كم من رجال ونساء ملئوا الحياة ضجيجا وصخبا وعلما وانجازا ثم تواروا عن الأنظار وانسحبوا من مهنهم الناجحة ومجالسهم العامرة وانشطتهم المتنوعة وانزوا في ركن صغير في بيوتهم مفضلين الوحدة والعزلة وصداقة الذات والابتعاد عن كل ما هو جديد ومثير وباعث على الدهشة والحيوية ومزيد من الحياة ، مكتفين ربما بما حققوا في أعمارهم الفتية السابقة ، آخرون اجتهدوا لكي يوجدوا لأنفسهم مكانا مريحا في خريف العمر يتلاءم مع قدراتهم وامكانياتهم وظروفهم الصحية المستجدة وخشية من فقدان المكانة والذاكرة التي ثبت علميا انها تبلى لقلة الاستعمال ، يبدو ان العمر المتقدم يفاجئ اغلب الناس فيحتارون في كيفية تصريف اوقاتهم وملئ ايامهم بعد انطفاء رغبة العيش وتهاوي الصحة ، قبل أيام قرأت سيرة " بنت بيت العود " للكاتب الصحفي علي صالح ، وتروي قصة حياة السيدة عائشة المؤيد زوجة رجل الأعمال الراحل يوسف خليل المؤيد وابنة عمه ، اعرف هذه السيدة واسمع عن نشاطاتها من خلال ابنائها وبناتها ومن مشاركاتها المجتمعية في الأعمال الخيرية والمشاريع التطوعية ومساعدة الفقراء والمحتاجين ،لقد وجدت هذه السيدة الميسورة املا وايمانا وحياة متجددة في البذل والعطاء ، وقد عٌرفت ام فاروق بعشقها للأعشاب وخلطها واستخداماتها العلاجية ، وهو عمل شغفت به منذ كانت صغيرة واستمرت تمارسه حتى عندما شاخت وكبرت ووهنت صحتها .

في مقال قرأته قبل عدة سنوات بعنوان " رحلتي الى التسعين " ، تقول الكاتبة ان سنوات التسعين من الممكن ان تكون جميلة وهانئة او على الاقل مريحة وأقل قسوة إذا استعد لها المرء بالأمور التالية : أولها : وضع تقاعدي مالي جيد ، فالمال هو عصب الحياة ، كي لا يحتاج الانسان الى احد ، فلا يتعرض للذل والمهانة والسؤال وانتظار شفقة الآخرين وعطفهم في أرذل العمر ، ثم بوليصة تأمين صحية تبقي الإنسان  معززا محاطا بالرعاية الصحية المدفوعة الأجر ، ومن جيبه وليس " وليست منة من أحد "  ثم هواية ، بل عدة هوايات ينشغل بها وينميها منذ الصغر او يبتكرها او يبحث عنها في الكبر كالموسيقى والرسم والبستنة والتطريز او الكتابة او جمع الأشياء الأثرية ، وهي ترى ضرورة ان يبني الانسان علاقة جيدة مع الجسد للابقاء على مستوى رفيع من الصحة واستبقائها كمخزون استراتيجي للعمر المتقدم ، معطوفة على علاقة جيدة مع النفس ، فمهما احاط بك الناس والابناء والعائلة في شبابه وخلال فترة نشاطه البيولوجي او صعوده المهني ، فسوف يأتي وقت ويجد نفسه يجلس في غرفته وحيدا بلا صديق ولا اخ ولا زوج ، فإن لم يتدرب على الخلوة مع النفس في عمر مبكر فسيرى الى نفسه ضجرا وسأما منزعجا من الوحدة ومن وقت الفراغ الطويل ومن عدم وجود بشر حولهيتشارك معهم في الاحاديث والنجوى وبث الشكوى واجترار الذكريات ، وتتطرق الكاتبة هنا الى ضرورة تطوير الجانب الروحي لدى الانسان ،فالمال وحده لا يكفي لبلوغ حالات الرضا والسعادة والاكتفاء ، وترى الكاتبة أهمية كبيرة في بناء علاقة جيدة مع الاخرين ، الزوج ، العائلة ، الابناء ، الجيران ، الأصدقاء ، وكل تلك أمور بديهية ونعرفها جميعا الا ان الشيخوخة قد تفاجئنا بشكل ابكر وننزوي قبل الأوان ، وهي اشد ما تكون على المشاهير واهل الفن الذين اعتادوا على الظهور ثم انصراف الجماهير عنهم 
فيها شريطة ان كل ذلك مع شخصية مرنة قابلة للتغيير ومتكيفة مع مستجدات الحياة وتقلباتها ومآسيها.، ذات مرة سمعت تعبير جميل ورد على لسان طبيب امراض نسائية ناصحا مريضته : ان كان لابد من الشيخوخة فجدير بنا ان نشيخ بشياكة " عبر استعدانا المبكر لهذه المرحلة . 


ان أسوأ ما في الشيخوخة هو انعدام أي نوع من أنواع الشغف، هنا يصبح العمر عبئا ثقيلا على المرء وقد يؤدي به الى الجنون والانتحار.


ان نظرة على المسنين اليوم تريك انهم ارحم حالا مما كان عليه آباءنا الذين عرفوا سأم الوجود وضاقوا به ذرعا،فلدى المسنين ما يشغلهم ويجعلهم على مسافة واحدة مع الشباب والصغار في كل مكان في العالم عبر التسلية التي تغنيهم عن معايشة الناس والابناء والاكتفاء بالنظر الى شاشاتهم الالكترونية والهاتفية والتلفزيونية ، لا يبتغون شيئا سوى ان يمدهم الله بأبصار قوية تعينهم على الرؤية ،فيغرقون في اجهزتهم وعوالمها متناسين الجوانب الإنسانية التي تبتعد عن حياتهم شيئا فشيئا غير عائبين بمضار نقصانها او انعدامها ، لكن تلك قضية أخرى .



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved