يكتبها ــ فاروق جويدة
..........................
هل تذكرون أسماء مئات الكُتاب والمبدعين والفنانين العرب الذين اختفت أسماؤهم خلف رماد الحروب الأهلية والغزو الأجنبى الذى أطاح بالعواصم العربية المنكوبة فى السنوات الماضية.. هل تذكرون كتاب وشعراء العراق ونجوم سوريا ومثقفى اليمن والمبدعين فى ليبيا, أربع دول عربية اختفت سنوات من خريطة الثقافة العربية ولم يسأل عنهم أحد.. كان موقفا غريبا من الدول والحكومات العربية التى انسحبت من الصورة تماما وإذا كان ذلك أمراً عاديا فى مواقف الحكومات وسلطات القرار فأين المؤسسات الثقافية وأين اتحادات الكتاب وأين جمعيات المؤلفين والمبدعين, لا أحد يسأل عن هؤلاء حتى جامعة الدول العربية ومؤسساتها الثقافية بما فيها هيئات الثقافة والفنون ومراكز الإبداع..
حين اقتحمت قوات الاحتلال الأمريكى بغداد عاصمة الثقافة العربية وعاصمة الرشيد بكل رصيدها الحضارى والفكرى والتاريخى وقفت الأنظمة العربية تشاهد المأساة من بعيد وكانت الفضائيات العربية تنقل للملايين صورة بغداد التى تحترق وكيف دمرت القوات الأمريكية ونهبت آثار بغداد وتراثها ومكتباتها وقصورها وهاجر من العراقيين من هاجر أمام النيران والدمار وخرج من خرج ولكن هناك فصيلا غاب عن المشهد تماما وهم شعراء بغداد وكتابها ومثقفوها الكبار الذين اختفوا فى ظروف غامضة ولم يسأل عنهم أحد قيل يومها إن أمريكا أخذت علماء الذرة العراقيين وأن إيران أخذت الجزء الباقى، ولكن أين مثقفو بغداد أين كوكبة الشعراء والمفكرين والكتاب وماذا حدث لهم ومعهم هل هاجروا وأين استقر بهم الحال هل قتلتهم القوات الأمريكية ولماذا لم يعرف احد شيئا عنهم?!.
> فى ظل الإهمال العربى لكل ما جرى فى العراق بعد الغزو الأمريكى اختفت تماما أخبار وأحوال كوكبة الثقافة العراقية وهى من أهم واكبر الفصائل فى الثقافة العربية دوراً وإبداعاً وتاريخاً.. والآن هل يمكن أن نطرح هذا السؤال على المؤسسات الثقافية بل والسياسية العربية لكى يقولوا لنا أين مثقفو العراق ولماذا غابت أسماؤهم كل هذا الوقت ولم نعد نسمع عنهم وكيف نعيد التواصل معهم، لقد تم إعدام الشاعر العراقى أحمد النعيمى لأنه كتب قصيدة بعنوان نحن شعب لا يستحى ومازالت صورة إعدامه معلقة على مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم كله..
> حين اشتعلت الحرب الأهلية فى سوريا انطفأت أنوار الثقافة.. كانت دمشق فى يوم من الأيام من أهم مراكز الثقافة العربية تاريخاً وتأثيراً ودوراُ ومنها خرجت نخبة من المبدعين الكبار فنا وشعراً وغناءً وطرباً وتاريخاً.. من دمشق انطلقت أجمل الأصوات وأعذب الأشعار وأكثر الأفكار تحرراً وانطلاقاً.. وفى وقت ما كانت الدراما السورية من أرقى ما قدم الفن العربى من الأعمال الراقية.. واشتعلت النيران فى حلب ومن هى حلب؟!.. أسطورة الغناء الجميل فى تاريخ الغناء العربى كان محمد عبدالوهاب يقول من لم يغن فى حلب لم يعرف فن الغناء..
> اجتاحت أيدى الخراب سوريا ما بين قوات أجنبية غازية وحرب أهلية مدمرة وتحولت قلاع المدن ومبانيها إلى خرائب ووسط هذا كله لم يسأل احد ولم يخبرنا أحد أين كوكبة سوريا المثقفة وأين شعراء دمشق واللاذقية وحمص وأين فنانوها ومبدعوها الكبار.. أين مطربو سوريا? وكانوا يملأون الآفاق غناء جميلاً وكما تخلى العرب عن بغداد فى محنتها تخلوا عن دمشق فى مأساتها ولم نعد نعرف شيئا عن قبيلة الإبداع السورية، وكانت من أخصب وأعمق وأفضل فصائل الإبداع الجميل فى الثقافة العربية.. والآن هل هناك من يخبرنا وسط تلال الرماد عن رموز الثقافة السورية وفنها الرفيع?.. هل هاجر الفنانون السوريون وإلى أين ذهبوا وأين مواهبهم الشابة هل ضاعت فى حوارى وأزقة برلين تحفظ كلمة من هنا وأخرى من هناك.. ومن يجمع شمل هذه الطيور المهاجرة? لقد عادت بعض السفارات العربية أخيرا إلى دمشق بعد أن سحب العم سام قواته فهل نبحث وسط هذا الركام عن الفن السورى الجميل والغناء السورى العذب، هل نكذب مقولة الرئيس ترامب وهو يقول لم يبق فى سوريا غير الرمال والموت? ونؤكد أن الشعب السورى بفنه وإبداعه لن يموت.. إننى أطالب المؤسسات الثقافية العربية ان تبحث عن سوريا الفن من هاجر ومن بقى ومن مات تحت الأطلال..
> مازلنا نذكر اليمن السعيد بجباله وتاريخه وحضارته وآثاره التى امتدت آلاف السنين ومازالت لنا ذكريات جميلة مع شعبه الطيب المسالم وهذه الكوكبة من المثقفين والشعراء اليمنيين ومازالت له فنونه وأهازيجه وتاريخ القبائل العربية التى امتدت فى كل أرجاء هذا الوطن الجميل.. منذ اشتعلت المعارك بين أهله وقد كانت صورة من مآسى تاريخ العرب فى العصر الحديث لم نسمع شيئا وقد انهالت القنابل والرصاص على فصيل عربى ثقافى متميز وفريد كان يعيش فى هذه المنطقة من العالم لا أريد أن اذكر الأسماء حتى لا أنسى احدا ولكن أين المثقفون العرب فى الدول التى لم تصل إليها لعنة الدمار من مثقفى ومبدعى اليمن?. هل سأل أحد عنهم هل امتدت لهم يد العون وسط أطلال المذابح البشرية وهل جاءت صيحة من هنا أوهناك تنبه إلى المخاطر التى يتعرض لها هؤلاء ومن عاش أو مات منهم?. إن لليمن تاريخا طويلا وآثارا باقية ولا أحد يعلم أين ذهبت.. وفى اليمن شعراء كبار ومبدعون فهل هاجروا أم مازالوا يعيشون تحت الأنقاض?. وإذا كان العالم العربى قد تلاعبت به رياح السياسة فما ذنب مبدعيه وكُتابه وفنانيه وسط هذا الدمار ولماذا لا نسأل عمن بقى منهم?.
> كانت ليبيا لسنوات من أغنى الدول العربية أموالا وشهدت نهضة ثقافية ظهر فيها عدد من المبدعين والكُتاب والفنانين وكانت للشعب الليبى جذور تراثية امتدت فى تاريخ القبائل العريقة والتى اختلطت فى أحيان كثيرة بالمناطق الصحراوية فى مصر من مطروح إلى السلوم وصعيد مصر وكان لليبيين تراث تاريخى مختلط مع مصر فى جذور القبائل وتداخلها عبر سنوات طويلة ولا أحد يعرف ماذا يجرى فى ليبيا التاريخ والثقافة لأن الحرب الأهلية دمرت كل شىء وتحولت الأرض الليبية إلى ساحات للقتال والدمار ومن يستطيع أن يسيطر على مصادر الثروة، خاصة البترول.. إن فى ليبيا فصائل لها أصولها وجذورها ومنابعها الثقافية والتاريخية ولا أحد يعرف أين ذهب هؤلاء وسط أطلال المعارك وكما حدث مع دمشق وبغداد وصنعاء انقطعت وسائل الاتصال بين العالم العربى وكل هذه المراكز الثقافية والحضارية وكأنها لم تكن يوما من أهم مصادر الثقافة العربية..
> إن الواقع الآن فى ظل هذه المأساة التاريخية يؤكد:
اولاً: أننا أمام ظاهرة إهمال عربى كامل للقوى الثقافية والفكرية فى أربع دول عربية تعرضت للدمار الشامل، سواء كان ذلك من قوى الشر الغازية الأجنبية كما حدث فى العراق وسوريا وليبيا، أو من خلال الحروب الأهلية التى أطاحت بشعوب هذه الدول ودمرت كل مصادر الفكر والثقافة فيها كما حدث فى اليمن، وإذا كانت السياسة قد أهملت وتراخت بل وتواطأت فكان ينبغى على المثقفين العرب والهيئات الثقافية العربية أن تتابع أحوال هؤلاء الناس وتسأل عنهم وتعرف أين أماكنهم وماذا حدث لهم أما أن تنسى آلاف المبعدين فى أهم المراكز الثقافية فى دول رعت الثقافة العربية فهذا خطأ تاريخى..
ثانياً: ينبغى ألا نتجاهل أن هؤلاء المثقفين تعرضوا لضغوط كثيرة من ثقافات أخرى من الجيران وهذه الثقافات لها أطماعها فى تشويه هوية الشعوب العربية ومنها دور تركيا وإيران بل أن القضية أخذت جوانب دينية وعرقية ولنا أن نتابع ما يجرى فى الأهواز فى إيران وما تتعرض له الجاليات العربية وما حدث فى البصرة، كما أننا لا يمكن أن نتجاهل أطماع تركيا فى سوريا والعراق واليمن أيضا وكلها تحمل أفكارا مشبوهة..
ثالثاً: لا أدرى ما هو موقف الدول العربية الغنية خاصة دول الخليج من هذه القضية، خاصة أن هذه الدول تقيم المهرجانات والمناسبات الثقافية والفنية وكان أولى بها أن تحتضن عشرات بل مئات المبدعين من هذه الدول، سواء هاجروا أو عاشوا فى أوطانهم، خاصة أن منهم أسماء كبيرة فى الفن والشعر والأدب والإبداع.. إن مبدعى سوريا والعراق واليمن وليبيا معروفون فى العالم العربى كله..
رابعاً: أهمل الإعلام العربى هذه النخب المبدعة فى هذه الدول فلم ترى كاتبا أو شاعرا أو فنانا ضيفا على فضائية عربية وسط هذا الصخب المجنون وكان ينبغى أن يفرد الإعلام العربى شاشاته وصفحاته للهاربين من جحيم الموت فى هذه الدول..
خامساً: كنت أنتظر دوراً لمصر الثقافة فى هذا الغياب المؤسف، إن معظم هؤلاء المبدعين كانت مصر دوما بيتا لهم ولم يسأل عنهم أحد سواء على المستوى الرسمى أو الثقافى ولا أحد فى المؤسسات الثقافية المصرية من النقابات والاتحادات والجمعيات الفنية يعرف مصير هؤلاء الآن وإلى أين ذهبوا وتشتتوا فى بلاد الله ربما يعيشون الآن فى بلاد لا تعرف هويتهم ولا قيمتهم وتاريخ بلادهم، فالإعلام العربى لم يتتبع هؤلاء وأين ذهبوا وما مصيرهم الغامض..
سادساً: هناك عدوان صارخ تعرضت له آثار هذه الدول من المكتبات والمتاحف ولنا أن نتصور ما حدث للآثار العراقية والسورية والليبية على يد حشود داعش الإجرامية التى هدمت المساجد التاريخية والمتاحف ودمرت التماثيل ولم تتحرك هيئة ثقافية عربية أو دولية لإدانة هذه الوحشية..
سابعاً: لا أدرى أين جامعة الدول العربية ومؤسساتها الثقافية والفكرية من آلاف المبدعين والكُتاب والفنانين الذين اختفوا تحت أطلال الخرائب فى أربع دول عربية إننى على يقين أن الصديق احمد ابو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية سوف يجيب على هذا السؤال.. أين نخب الثقافة العربية التى اختفت فى السنوات الماضية فى بغداد ودمشق وصنعاء وبنغازى وطرابلس؟! سؤال يبحث عن إجابة أين هؤلاء وأين ذهبوا و أى أرض تحتويهم الآن .. هل فى المنافى أم بين الأطلال؟!.
ويبقى الشعر
لماذا أراكِ على كلِّ شىء بقايا .. بقايا ؟
إذا جاءنى الليلُ ألقاكِ طيفـًا ..
وينسابُ عطـُركِ بين الحنايا ؟
لمــــــاذا أراكِ على كلِّ وجــــــــهٍ
فأجرى إليكِ .. وتأبى خُطايا ؟
وكم كنـتُ أهــــربُ كى لا أراكِ
فألقاكِ نبضـًا سرى فى دمايا
فكيف النجومُ هوت فى الترابِ
وكيف العبير غدا .. كالشظايا ؟
عيونك كانت لعمرى صلاة ً ..
فكيف الصلاةُ غدت .. كالخطايا ؟
لماذا أراكِ وملءُ عُيونى دموعُ الوداعْ ؟
لماذا أراكِ وقد صرتِ شيئـًا
بعيدًا .. بعيدًا .. توارى .. وضاعْ ؟
تطوفين فى العمر مثل الشعاعْ
أحسُّـــــــــــــــــك نبضــــــــــــــــًا
وألقــــــــــــــــــاك دفئـــــــــــــــــــًا
وأشــــــعرُ بعدكِ .. أنى الضياعْ
إذا ما بكيتُ أراكِ ابتسامهْ
وإن ضاق دربى أراكِ السلامهْ
وإن لاح فى الأفق ِ ليلٌ طويلٌ
تضىء عيونـُكِ .. خلف الغمامهْ
لمــــــاذا أراكِ على كل شـــــىءٍ
كأنـــــــكِ فى الأرض ِ كلُّ البشــــــــرْ
كأنك دربٌ بغير انتهاءٍ
وأنى خـُلـِقــــــــْتُ لهـــــذا الســــــفرْ ..
إذا كنتُ أهرب منكِ .. إليكِ
فقولى بربـــكِ .. أين المفـْــــــر ؟
"قصيدة بقايا..بقايا سنة 1983"