* الحلقة الثانية من كتاب « كيف نعلم أبناءنا تحمل المسؤولية » للكاتبة الكبيرة : « سلوى المؤيد » تحت عنوان : لا تكن متسامحاً في وضع الحدود لإبنك.
........................
إن أسوء أساليب التربية في ضع الحدود للأبناء يتمثل في الطريقة المتسامحة للطفل أي منحه (حرية بلا حدود) وهو ما يمارسه الكثير من الآباء مع أبنائهم إعتقاداً منهم أن إمتثالهم لطلباتهم نابع من حبهم لهم.. بينما هم يحرمونهم من الإحساس بالأمان في أعماقهم ..ويضخمون إحساسهم بذواتهم.. ويصبحون مع الوقت أنانيون لا يفكرون بسبب التدليل إلا بإنفسهم .
ولكي نرى سلبية هذه الطريقة في التربية ..سنعود إلى شجا ر الأبناء الذي ذكرته من قبل ..وسنطبق عليه هذا الأسلوب التربوي .
دخلت الأم الغرفة لتفاجأ بولديها أحمد ومحمد وهما يتشاجران حول لعبة واحده
قالت الأم “ ما كل هذا الصراخ..أريد أن تعلما إنني لا أريد هذه الضجة حول لعبة..أرجو أن تتوقفان عن الشجار "
ثم خرجت من الغرفة لكن النقاش والشجار استمرا .. لتعود إلى الغرفة مرة أخرى بعد دقائق .
قالت معاتبة ” كم مرة علي أن أقول لكما أن تتوقفا عن الشجار ..هل تظنان أني أسعد بترديد ما أقول
. إن هذا ليس بيتاً وإنما ساحة معركة ..سوف تندمون على ما تفعلانه ببعض ..أرجوكم أن تلعبوا بهدوء
أحمد:أنا أخذت اللعبة الأول ..وهو أخذها مني “
قال محمد ” هو كذاب ..لقد وضع اللعبة وبدأت ألعب بها "
ردت الأم” لماذا لا يلعب كل واحد منكما بعض الوقت لكي تتوقفا عن العراك ؟”
قال أحمد “طيب ..أنا أخذتها الأول لذلك سألعب بها الأول (ويمسك اللعبة بيديه )”
أجاب محمد : (هاجماً عليه ) “أنا أخذتها الأول ”
صرخت الأم بغضب” يكفي ما فعلتم بي اليوم .. لن يلعب أحد منكما بهذه اللعبة (وأخذت اللعبة منهما لتخفيها عنهما )
قال أحمد “ ماما.. هذا ليس عدلاً ”
علق محمد “ كنا نلعب بها مع بعض "
الأم تتراجع عن قرارها قائلة ” طيب ..خذا اللعبة ولا تتشاجرا مرة أخرى عليها “
تجاوب أحمد معها ” نعدك بذلك “(ثم وافقه أخوه ).
وقامت الأم بتسليم اللعبة إليهما قائلة ” لا أريد مزيداً من الشجار بينكما ..أنا فعلاً أعني ما أقول “.
وعاد الطفلان إلى الشجار
قال أحمد “هو لعب بها ..الآن جاء دوري .”
قال محمد “ لا لم ألعب “.
الأم : لا فائدة منكما ..كفاني ما وجدته منكما..تشاجرا كما تشائان ..لكن افعلا هذا بهدوء .
لنحلل هذا الموقف وأسلوب الأم المتسامح أو المتساهل لنرى مدى سلبية هذه الطريقة التي يبذل بها الوالدان جهداً مضاعفاً بلا نتيجة .
يحاول الآباء من خلال هذا الأسلوب طرق عديدة لكي يقنعوا أطفالهم بإن يتعاونوا معهم ..ونراهم يكررون ما يريدون و يقومون بتذكيرهم والتوسل إليهم ومساومتهم ومحاضرتهم والتفسير لهم..وأحياناً توبيخهم وتهديدهم ..والنتائج كلها متشابهة في عدم فعاليتها أو نجاحها ..والآباء عادة إما أن يوفقوا في تطبيق حدودهم أو يستسلمون تماماً ..والأطفال أذكياء ويدركون كيف يحصلوا على ما يريدون بطرقهم الخاصة .
إن طريقة الآباء المتسامحة في التربية تهين شخصياتهم ..ومن وجهة نظر خبراء التربية فإنهم يعتقدون بإنها أسوء بكثير من العقاب ..لإنهم بها لا يمنعون السلوك السئ من التكرار فيما بعد ولا يعلمون أبنائهم المسؤلية .
إن أول ما نلاحظه في محاولة الأم إيقاف شجار ولديها هو طول المدة التي أخذتها وهي تكرر ما تريده منهما .. فبذلت جهداً مضاعفاً لكن دون أن تحصل على النتيجة المطلوبة . . فنراها قد بدأت بالتكرار والتذكير لكن إبناها تجاهلاها تماماً ثم بدأت تحاضرهما وتتوسل اليهما.. لكن فعلها هذا لم يعطي نتيجة إيجابية لإن الطفلان تجاهلاها مرة أخرى ..ثم اقترحت الأم عليهما اقتراحاً معقولاً بإن يأخذ كل واحد منهما دوراً في اللعب باللعبة..لكن الطفلان كانا غير مستعدان للتعاون ..مما جعل الأم تصاب بخيبة أمل . فجعلها ذلك تحاول طريقة أخرى بإن تعاقبهما بأخذ اللعبة منهما معاً وإخفائها ..لكنها واجهت احتجاجاً من الطفلين ..ثم بدا عليهما الضيق ..فشعرت الأم بالذنب وأعطتهما اللعبة ..أي تراجعت عن قرارها ..وقامت بالمحاولة الأخيرة بإن ساومت الطفلين لكي يتعاونا معها ..وبذل الطفلان الوعود..وسرعان ما كسراها ..فاستسلمت الأم وتركت الغرفة مهزومة لإنها لم تستطع إيقاف الشجار بين طفليها أو تعليمهما أسلوب أفضل لحل مشاكلهما .
وهنا أطرح هذا التساؤل الهام..لماذا لم يتعاون الولدان..؟
الجواب واضح ..لإنهما غير ملزمان بذلك . . فوالدتهما لم تدعم أقوالها بإفعال مؤثرة تشعرهما أنهما ملزمان بتنفيذها وإنما كانت تحاول إقناعهما .. فهل نتصور ماذا سيحدث من فوضى في الشوارع لو أن قوانين المرور وضعت بالطريقة التي تمارسها الأم مع ولديها ..تصور أنك في طريقك إلى البيت..ورأيت إشارة حمراء وقطعتها بحجة أن الشوارع خالية..ورآك رجل المرور فقال لك
" إن ما تفعله مخالف لقانون المرور ..والقانون وضع لسلامتك..أرجو أن تتبعه في المستقبل "
ويمضي عنك دون أن يعاقبك ..هل سيمنعك هذا من أن تقطع الإشارة الحمراء إذا لم توجد سيارات حولك ..لا أعتقد .. لإنك غير ملزم بذلك ..ولن تأخذ كلام الشرطي بجدية مرة أخرى إن أسلوب الآباء المتسامح مع الأبناء يشبه هذا المثال إلى حد كبير ..فهم يوجهون الكثير من التحذيرات والأسباب المقنعة لكن الأبناء لا يتوقفون عن تجاوز الإشارة الحمراء أي الأمر الغير مسموح لهم تجاوزه ..آبائهم يهددوهم بالعقاب لكنهم لا يعاقبوهم ..والعقاب هو النتيجة الواجب تطبيقها لمخالفتهم قوانين آبائهم لذلك هم لا يهتمون ولا يأخذوها بروح جادة ..والآباء الذين يما رسون الطريقة المتسامحة لا يريدون أن يضايقوا أبنائهم أو يشعروهم بخيبة أمل ..وهم يعتقدون أن خيبة الأمل المؤقتة التي يشعر بها أطفالهم عندما يعاقبون ستضر نفسياتهم مستقبلاً ..لذلك يتراجعون عن قرار العقاب ليحموا شعور أبنائهم .
فهل يتوقع كل واحد منا أن يحصل علي ما يريده من هذا العالم ..؟ بالطبع لا .. بل بالعكس نحن نتعلم بهذه الطريقة كيف نتوافق مع الواقع .. وعندما نمنع أطفالنا من أن يحصلوا على نتائج أعمالهم السلبية فإننا نمنعهم من أن يتعلموا قواعدنا ليتصرفوا التصرف الصحيح .
الآباء المتساهلون مع أبنائهم يظنون أن أبنائهم سوف يتوقفون عن السلوك السيء ..إذا لا حظوا أن التوقف هو الشيء الصحيح ..ووظيفة الآباء هنا إقناع أبنائهم بهذا الإعتقاد .. فإذا لم تساند أفعالهم أقوالهم فإن الأطفال سوف يتعلمون كيف يتجاهلونها ليتابعوا ما يريدون القيام به ما دام لا يوجد ما يمنعهم من ذلك والأطفال
يحاولون دائماً اختبار حدودنا ليروا إلى أي حد نسمح لهم بالتمادي فيما يريدون القيام به ..وهنا يصبح دور الآباء ضرورياً في وضع الحدود التي لا يسمحون لإطفالهم بتجاوزها ليحترموا قواعدهم مستقبلاً .
http://Www.salwaalmoayyed.com.bh