ينتمي الراحل جاسم مراد لطبقة النخبة التجارية الثرية، فهو ابن تاجر اللؤلؤ محمد مراد، ولد وترعرع في العز والخير لكنه أيضا ابن مدينة المحرق ذات التاريخ السياسي الطويل معقل الاحتجاجات والتظاهرات في الخمسينات والستينات، انخرط في الحياة السياسية بعمق، تنتمي والدته لعائلة الباكر ذات القرابة بالمناضل عبد الرحمن الباكر الرئيس التنفيذي لهيئة الاتحاد الوطني التي لعبت دورا مهما في مسار الحركة الاحتجاجية والمطالب الإصلاحية ،كل هذه العوامل شكلت شخصيته وعززت وعيه السياسي بالحقوق والعدل والمساواة، ان الانسان مهما تبدلت احواله لا يستطيع الفرار من تاريخه وتجاربه وقدره، لذلك ظلت هذه المحطات ملازمة ل جاسم ومسيطرة على فكره ووجدانه، وجد جاسم في السياسة متنفسا للتعبير والمشاركة ومجالا لتحقيق العدالة وانصاف الضعفاء، كان عضوا في الهيئة وعضوا في المجلس التأسيسي الذي كتب الدستور وعضوا في برلمان 1973 ، دافع الراحل جاسم مراد دوما عن الطبقة الفقيرة وطالب بتمكينها وادماجها في خطط التنمية ومراعاتها عند اتخاذ الإجراءات وسن القوانين “هؤلاء اذا زادت الضغوط عليهم سيشكلون العنصر الواهي والضعيف والذي سيكون وقود الازمات المستقبلية “ ، طالب في برلمان 1973 بتوفير السكن للمواطن البحريني غير المقتدر، ولقد ظل جاسم احد الذين يركزون دوما على البعد الاقتصادي والمعيشي في كل حركة احتجاج، وانتهج في مساعدته الشخصية للناس نفس المبدأ “ إعطاء من يستحق ومن هو بحاجة للمال .
لم يعترض جاسم على سياسة رفع الدعم، بل قال بتقنينه وتقديمه للمستحقين فقط، والطبقة الاكثر فقرا واحتياجا عبر دعم هذه الشريحة — وحدها — ماليا في الاجور وفي السكن وفي التعليم والصحة، وفي تمكينها من الاعمال العصرية والتقنية التي يحتاجها العصر كي لا تكون عالة على الدولة والمجتمع، ان تقديم الدعم للجميع لا يحقق العدالة ولا يصب في مصلحة الفقراء الاقل استخداما له، انما في مصلحة الاغنياء والاجانب “ الشريحة الأكثر إنفاقا وتبذيرا واستفادة واستهانة بالنفط المدعوم والمواد الغذائية والخدمات المدعومة “
وقال جاسم ان فرض الضرائب هو يوم آت لا شك فيه لبلدان ريعية تعيش على ايراد بيع سلعة واحدة متقلبة ومتذبذبة في الأسعار، وهو يهدف لتعظيم خزينة الدولة ومساعدتها وتمكينها وتخفيف اعباءها وتقليل ديونها واطالة امد رعايتها وخدماتها المقدمة للمواطنين من سكن وعمل وصحة وتعليم وغيره، بيد ان مجيئ الضرائب يستدعي أيضا وبالمقابل حركة مجتمعية وبرلمانية وصحافية نشطة ومتفاعلة تقوم على التحاور والنقاش الدائم والمساءلة والمحاسبة والرقابة، ويجب الا تضيق صدورنا بالحوار فلا ضرائب دون تمثيل حقيقي، ظل يردد ان التاجر المفلس يبحث عن دفاتره القديمة وشعوب الخليج منذ انحسار أسعار النفط وتراجع قيمته لا تزال تتساءل “ اين ذهبت أموال الوفرة وحين كان سعر البرميل 120 دينار للبرميل ؟
وهو رأى ان مثل هذا النقاش حول مجمل الدخل والموارد والمداخيل المالية المعلنة والمستترة هو امر صحي وطبيعي ويخلق مناخا معززا للثقة والتعاون بين الحكومة والشعب وممثليها ومؤسساتها الدستورية ومكرسا لمبادئ الشفافية والعدالة والمساواة، قال دوما بسد جميع وجوه الهدر ومنافذ الفساد والانفاق المظهري “ وقليل المال تصلحه فيبقى / ولا يبقى الكثير مع الفساد كما يقول الشاعر العربي.
ان الاستحقاق الديموقراطي حسب مراد يتجلى في أوقات الازمات أكثر منه في فترات الرخاء كونه يذهب الى عمق وجذور الملفات الجوهرية والاشكالات المجتمعية المعلقة والمغفلة.
وحسب جاسم مراد فإن الرخاء جميل، وقد استفادت منه دول الخليج وشعوبها على ان السنوات العجاف ان كان لها من إيجابية فهي استعادة الناس لحياتها الطبيعية ذات البساطة والبعد عن المظاهر والاستهلاك البذخي الفارغ