برعاية كريمة من معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، اختتمت إدارة الأوقاف السنية فعاليات الندوة العلمية السنوية الأولى تحت عنوان ( الوسطية في الخطاب الديني )، والتي استمرت ليومين متتاليين وتضمنت جلسة افتتاحية وأربعة جلسات علمية تم من خلالها تداول أوراق الباحثين والمشاركين.
ورفع المشاركون في ختام أعمال الندوة، خالص شكرهم وعظيم تقديرهم وامتنانهم الى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى، على جهوده الكبيرة في خدمة القضايا الإسلامية والإنسانية، ونشر قيم التسامح من خلال تيسير كل سبل المعرفة والعلم من الجامعات والمعاهد الشرعية والمراكز القرآنية والمراكز البحثية والعلمية ودعمه المادي والمعنوي لها.
كما رفعوا الشكر والتقدير الى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر على إنجازاته في تنمية وبناء مملكة البحرين، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء على جهوده الحثيثة التي من شأنها النهوض وتحقيق الاستقرار لمملكة البحرين.
وقد خلص المشاركون إلى نتائج مهمة، مشفوعة بتوصيات مكملة، وهي كالتالي:
1- استمرار انعقاد مثل هذه الندوات والملتقيات العلمية القيمة، والتي لها الأثر الكبير في تشجيع المسيرة العلمية ومعالجة الظواهر والمستجدات المعاصرة.
2- يحتاج المسلمون في هذا العصر الذي تكاثرت فتنه، وانحرف فيه فكر قلة من المسلمين نحو التشدد من جهة، ونحو التفريط من جهة أخرى، إلى غرس روح الأخوة والوسطية بين المسلمين، وروح التسامح والتعايش بين المسلمين وبين غيرهم من الأمم؛ لتتجلى عظمة الإسلام؛ وليكون المسلمون سفراء خير للبشرية كما كانوا في عهود الإسلام الأولى.
3- يرسخ الخطاب الديني الوسطي لدى أفراد المجتمع مبادئ عظيمة من أهمها: مبدأ الأخوة الإيمانية بين المؤمنين، ومبدأ الانتماء إلى الأمة الإسلامية وتأكيد الأخوة الإيمانية بينهم، ويؤكد على مبدأ التعايش والمواطنة بين أبناء الوطن الواحد.
4- تظهر وتبرز وسطية الإسلام على الأفراد والمجتمعات في فترات قوة الإسلام؛ لأن التصرفات تأتي من موقع قوة واختيار لما يراد فعله، فقد ظهرت سماحة الإسلام ووسطية أحكامه في نصوص الشريعة، وفي السيرة النبوية وعهد الخلافة الراشدة، وفي تعامل المسلمين مع أهل الكتاب طيلة تاريخ الإسلام، وفي مختلف دوله، بخلاف فترات الضعف فلا يمكن أن تكون معيارا للحكم على التراث الإسلامي .
5- الأمة الإسلامية تتمتع بالوسطية في أحكامها الداخلية والخارجية، وتقدم هذه الوسطية صورة مشرقة للأمة الإسلامية في تعاملها مع الأمم الأخرى.
6- من دعائم الوسطية في علاقة الأمة الإسلامية بالأمم الأخرى أثناء السلم، قيام العلاقات الدولية على خلق " العدل " المطلق، الذي يمثل قمة الوسطية، لأن الأمة الإسلامية تتجاوز به الظلم من ناحية؛ فلا تدخل في دائرة الإفراط، وتتجاوز التقصير في تحقيقه، فلا تدخل في دائرة التفريط.
7- فهم الوسطية متوقف على فهم أضدادها وهي الغلو والجفاء، أو الإفراط والتفريط، مع أهمية معرفة سمات وملامح الوسطية التي تميزها عن غيرها، ومن أهم هذه الملامح سمة الخيرية، وسمة العدل، وسمة اليسر ورفع الحرج، وسمة الحكمة، وسمة الاستقامة.
8- أهمية الاعتناء بتنقية التاريخ من جميع الأخبار الكاذبة، والقصص الدخيلة، وتجديد عمل الروح الإسلامي وتنقيته من خرافات الجاهلين وابتداع المبتدعين، ودراسة أزمات العقل المسلم، والاحتكام في الأفكار إلى الحوار الصادق الهادئ الناشد للحق تحت مظلة مصادر الشريعة المتفق عليها عند المسلمين .
9- الاختلاف في الرأي ضرورة علمية وأمر طبيعي اقتضاه الفهم والإدراك للنصوص والأدلة الشرعية، وليس اختلاف تقليد وتعصب وتشدد، ولذلك لم يؤد اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إلى التباغض والتفرق، وما وقع من المقلدين من أتباع المذاهب من معاداة وتباغض مع من يخالفهم في المذهب سببه انعدام المنهجية الصحيحة للحوار بين أبناء الأمة وعدم ربط الأحكام بعللها وغاياتها.
10- الاجتهاد الفقهي واختلاف وجهات النظر فيه، يثبت أن الوسطية والاعتدال سمة لهذا الدين، فالوسطية حقيقة شرعية تبنى عليها جميع أحكام الفقه الإسلامي، وما يعرض في الفقه الإسلامي من آراء فقهية متعددة إنما يفيد التكامل العلمي والمنهجي لبيان الصورة الحقيقية للنص الشرعي.
11- الوسطية في الفتوى هي موقف فكري ومنهجي يتضمن الجمع بين ظاهر النصوص ومعطيات المقاصد الشرعية، وهي موقف معتدل في فهم النصوص والتعامل معها بصيغة متوازنة ليس فيها إفراط ولا تفريط، بعيدا عن منهج غلاة الظاهرية وغلاة أهل التأويل، مع فهم الواقع وضرورة التعامل معه، وتصور المسألة من قبل أهل الاختصاص، والقراءة التكاملية للنص، والتحرر من العصبية المذهبية، ومخاطبة الناس بلغة العصر.
12- الأخطاء السلوكية العملية ناتجة في عمومها عن الخطأ في الفهم والتصورات؛ فإذا تم الإصلاح لجانب الفهم والتصورات؛ مع نشر وبث السياسة النبوية الحكيمة في التعليم والتربية في معالجة الخطأ العملي السلوكي المبني على الوسطية والاعتدال الذي يحبه الله تعالى، عولج الخطأ في جانب العمل والسلوك.
13- الانحراف في فهم النصوص الشرعية من أعظم الظواهر المهددة لوسطية الخطاب الديني، ورأس ذلك الابتعاد عن الوحيين العزيزين، والانحراف في الفقه الصحيح للنصوص الشرعية، وفهمها فهما بعيدا عن فهم أهل العلم، وطرائقهم في مراعاة الضوابط الشرعية في الأحكام على الأفراد، ففارقوا بذلك الأمة والجماعة، ونتجت من ذلك مفاسد وويلات كثيرة من تكفير للمسلمين بغير حق، وإخلال بالأمن، وهتك لحرمة الأنفس المعصومة، ولحرمات الأموال، والمصالح العامة.
14- وضع استراتيجية موحدة لنشر الوسطية ومحاربة التطرف والإرهاب، بحيث تشارك فيها جميع المؤسسات العلمية والأمنية بمملكة البحرين، ليسهم كل جانب متخصص في صناعة هذه الاستراتيجية المستوعبة الأبعاد وحيثيات وتداعيات هذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع، مع أهمية عقد ندوات حوارية مع أصحاب الخطاب المنحرف.
15- التركيز على أساليب الوقاية للمجتمع من خطورة ظاهرة الغلو، حيث يمثل الاعتماد للإجراءات الوقائية بحفظ وسطية المجتمع واعتداله، ودعم الآراء الفكرية التي من شأنها أن تعزز نطاق الفكر المعتدل والوسطي في تحقيق الجانب الوقائي للمجتمع من الغلو في التكفير.
16- تبني الخطاب الديني المعتدل الذي يتدرج بالناس في التربية والسير في مدارج الكمال، ويسير بفقه المقاربة والتسديد والتوسط بعيدا عن التشدد والغلو الذي يحمل الأمة ما لا تطيق فيفتنها في دينها.
17- توعية المسلمين بأهمية الفهم الصحيح لدين الإسلام، والمرجعية للعلماء الربانيين في فهمهم، وعدم تتبع الشاذ من الرأي، وأن تعنى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والخطباء والمعاهد الشرعية وإدارات الأوقاف بتبيان وسطية الإسلام مع نماذج لها من القرآن والسنة، وأن تنوع هذه الندوات وتنشر في وسائل الإعلام والتواصل المتعددة، وبلغات عدة.
18- إعادة النظر في آليات الخطاب الديني عامة، والخطاب الإعلامي خاصة، والسعي لقيام هيئات عليا تجمع بين أهل الاختصاص في كل فن لتطوير الخطاب الديني وفق الأصول الشرعية.
19 - الاعتناء بالداعية والموجه تأصيلا وبناء حتى يكون خطابه مؤثرا في كل مكان وزمان، مع أهمية تزويدهم بما يمكنهم من الوقوف على المذاهب المنحرفة والمبادئ الهدامة لمواجهة التحديات والتيارات المعادية للإسلام.
20- يجب على الدعاة والمصلحين مراعاة مقاصد الشريعة، وفي مقدمتها إصلاح أحوال الخلق، وجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم على كتاب الله وسنة نبيه، فالشريعة الإسلامية مبنية على التوازن والعدل والتوسط في شؤون الحياة كافة، وهذا أصل لابد من السير عليه في حياتنا الفردية أو الأسرية أو المجتمعية أو الدولية؛ ليتحقق لنا الأمن النفسي والأسري والمجتمعي.
21- إبراز دور الدعاة الوسطين، والإشادة بجهودهم، وفتح قنوات التواصل مع الجماهير لهم في القنوات الفضائية، وتنظيم الدروس الوعظية لهم في المراكز الاجتماعية والشبابية.
22- متابعة الأئمة والخطباء بشكل دوري، من خلال عمل ورش للأئمة والخطباء وتوعيتهم بهذا الخصوص، وتزويدهم بما يتعلق بموضوع الأمن والسلامة المجتمعية.
23- ضرورة تطوير طرق التدريس والوسائل والتقنيات التعليمية، لتسهم في تنمية وتنشئة الأفراد وتعزيز ثقافة الطالب القيمية وإيقاظ مفاهيم التنوع والتقبل للآخر، وتضمين المناهج التعليمية والتربوية مقررات تعنى بالوسطية.
24- إنشاء مركز لنشر الوسطية وحماية الأمن الفكري بمملكة البحرين؛ لدراسة أحدث الطرق والأساليب التي تعمل على غرس وبناء وإثارة التفكير السليم في شتى ميادين الحياة، وبناء المفاهيم الصحيحة والتصورات العقلية السليمة التي تدفع الأفراد للعمل والبناء، وحماية المجتمع من الأفكار المنحرفة التي تهدد الحريات وتمنع من تقدمه وازدهاره.
25- تعزيز مفهوم المواطنة في النظام الإسلامي؛ والتي تعني: صورة من صور التفاعل الإنساني بين أفراد المجتمع الواحد، القائمة على أساس الحقوق والواجبات، والإخاء وحب الخير للناس والحرص على منفعتهم، والتعاون معهم، وعلى التعايش فيما بينهم.
26- أهمية عناية المراكز والحلقات القرآنية بنشر مفهوم الوسطية والاعتدال، وتربية المتعلمين على مبادئها وتعاليمها، وضرورة إقامة الأنشطة والبرامج التي تعين على ذلك، وأن يتم تقويم سلوك المنظمين لها باستمرار، لا سيما في الوقت المعاصر التي اختلطت فيه المفاهيم، وتتلقف الناشئة والشباب عموم التيارات والأفكار .
27- وأخيرا يوصي المشاركون بأهمية طباعة أبحاث الندوة ونشرها بين طالبي المعرفة في الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية، لما لها من أهمية بالغة في تقرير هذه المعالم العظيمة.
سائلين المولى عز وجل أن يحفظ مملكة البحرين، وبلاد المسلمين من كل شر، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين ويصلح ذات بينهم.