فلسطين التي تعلقنا بها ونتعلق بها وسنظل نتعلق بها فهي قضية العرب الأولى تنبع منها الحكمة والمثل، وأهدي إلى الزميل الدكتور سعيد أبوعلي الأمين العام المساعد رئيس قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة بجامعة الدول العربية مثالاً من أرض الرباط ومن رحاب القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مثلاً يقول: «الحجر في مكانه قنطار» بغض النظر عن حجم وكتلة هذا الحجر، لكنه في الموضع الذي وضع فيه وعلاقاته بمن حوله، وأهمية وجوده يعادل القنطار في قياس كتلة الوزن لوحدة القياس أي ما مقداره 143.8 كيلو غراماً، ولذلك فهذا الحجر لأهمية وجوده يعادل القنطار الذي ورد ذكره في محكم التنزيل « زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَناطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعامِ وَٱلْحَرْثِ . ذلِكَ مَتاعُ ٱلْحَيَواةِ ٱلدُّنْيَا. وَٱللَّهُ عِندَهُ. حُسْنُ ٱلْمَـآبِ» 14 آل عمران.
وإذا أخذنا هذا المثل الفلسطيني وطبقناه في حياتنا العملية، وما نشاهده ونلمحه ونتعايش معه لوجدنا أن كل شيء مهما قلت قيمته ووزنه فهو في مكانه يسد خانة لابد من التعامل معها بحكمة فلا تهاون ولا تخاذل ولا استهتار.
كان رجال البحر في بلادي عندما يرجعون بسفن الغوص على اللؤلؤ أو الإبحار للتجارة البينية «القطاعة» إلى المرافئ والموانئ في قرى ومدن البحرين، يرفعون السفن إلى اليابسة، وينتظرون جفاف الألواح التي تتكون منها السفينة، ويبدأون في ما يسمى عندهم «بالكلفات» وهي عبارة عن صيانة دورية ولازمة للسفن بعد الإبحار وينظرون في كل صغيرة وكبيرة مخافة أن يكون أحد الألواح به عطب أو هناك فتحة أو ثقب حدثت نتيجة تلاطم الأمواج التي يتعرضون لها مع شدة الرياح فيبدأون في معالجة الأعطاب من خلال «الدهان» بمادة «الصل» الذي يؤخذ من نوع خاص من زيوت الأسماك بعد معالجتها ومن بينها زيوت الدلفين و«الفتيل» وهو عبارة عن خيوط سمكية من القطن يتم فيه سداد أية ثقوب بين الألواح، بالإضافة إلى مادة تسمى «الودج» التي يقول الباحث التراثي البحريني الأستاذ محمد جمال إنها باللغة العربية «الودك» الذي يؤخذ من شحم الحيوان ويخلط بماء الجير للتثبيت بيضاء اللون في الغالب وكلها مواد طبيعية من بيئة البحرين أو من بيئات أخرى مجاورة تتوفر فيها مثل هذه المواد الضرورية التي لا غنى عنها عند أي نوخذة أو صاحب سفينة، فالصيانة الروتينية الدورية عندهم ضرورية ولازمة، فالوقاية عندهم خير من العلاج، خصوصاً وأن هذه السفن ستبحر في الأعماق وتمكث الأيام والليالي وتتعرض لأنواء جوية متباينة كما أنها تحمل على ظهرها بشر وأرواح غالية.
الشاهد أن كل قطعة خشب «لوح» أو «فتيلة» لها قيمتها وأهميتها وضروريتها وهذه القطع تعادل القنطار رغم ربما ضآلتها لكنها في مكانها وموضعها تكتسب أهمية بالغة ولا غنى عنها ودونها ربما يحدث ما لا تُحمد عُقباه.
إننا في حياتنا نحتاج إلى كل واحد منا وكل فرد في مجتمعنا يؤدي دوره المنوط به والمأمول منه، فلا نستخف بأي دور يسند إلى زميل من زملاء العمل، ولا نقلل من شأن المهام التي تسند إلى رفقاء الدرب فكل واحد من هؤلاء مسخر للمهمة التي أسندت إليه، وعليه أن يخلص في أداء عمله ويتحرى الدقة والصدق والأمانة، وعلينا طبعاً تشجيعه والأخذ بيده وتسهيل مهمته والثناء عليه إن أحسن الأداء والعطاء ونتيح له مجال التطوير والترقي والتجويد بكل أنواع الحوافز الممكنة، ولا نبخل عليه بالكلمة الحلوة والابتسامة الصادقة، لأنها تزيل الكدر عن النفوس المتعبة.
كنَّا في حديث مع الزملاء عن أهمية الأفراد في التركيبة الإدارية للمؤسسات والشركات، ودور كل واحد من هؤلاء في المؤسسة مهما ارتفعت أو قلت مكانته فاتفقنا على أمر بسيط جداً لكنه يرسم ويمثل مساراً له أهميته القصوى فلو أن موظفاً لم ينجز عمله في الوقت المطلوب وبالسرعة اللازمة في توصيل رسالة أو معلومة لصاحب القرار في الوقت المطلوب والمأمول فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة المؤسسة أو الشركة بل ربما يسبب كارثة والعياذ بالله.
على مستوى الأمة نحن بحاجة إلى أن نتكاتف ونتعاون ونتجاوز كل أسباب الضعف والفرقة، فكل وطن يستطيع أن يقدم الكثير لأمته بما يملك من طاقات وقدرات بشرية وإمكانيات وثروات طبيعية، حبانا الله جلت قدرته بمواقع جغرافية متميزة، وبعقائد سماوية وكتب منزلة، وبحضارة عريقة ضاربة في عمق التاريخ، ولغة مشتركة وقيم ومفاهيم اجتماعية وثقافية، وإمكانيات اقتصادية إن أحسنا استغلالها والاستفادة منها، واستثمارها بما يعود على أوطاننا وشعوبنا بالخير العميم.. التحديات كثيرة والصعاب تقف في الطريق دائماً لكنها تنهزم أمام الإرادة والعزم والتصميم وإثبات الذات وإخلاص النية والبذل والعطاء والثقة بالنفس. فالأوطان عزيزة والأرض التي نعيش عليها تحتاج منا إلى الإيمان بقدرتنا على الاحتفاظ بها، والحجر في مكانه يعادل القنطار، كما أن الرجل منا في مكانه يسد عن ألف رجل وكذلك هي المرأة إذا كانت ثقتنا في محلها وآمنا بأن العطاء والإخلاص الوطني لا حدود له.
وعلى الخير والمحبة نلتقي