اختتمت الأربعاء فعاليات النسخة الثامنة من ندوة " تحالف عاصفة الفكر" التي نظمها مركز عيسى الثقافي بالتعاون مع تحالف مراكز البحوث العربية في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية بمشاركة نخبة من المفكرين والخبراء والباحثين والمتخصصين من مختلف الدول العربية خلال الفترة من 23 إلى 24 أبريل 2019.
وخلصت الندوة التي جاءت تحت عنوان " مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي " إلى ثلاثة عشر توصية استهدفت تطوير التعليم في الوطن العربي بما يتسق مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، وذلك من خلال تقديم أطروحات ورؤى غير تقليدية لواقع التعليم في الوطن العربي تضمنت تحليل موضوعي قائم على دراسات واحصاءات مقارنة مع مختلف دول العالم المتقدم، للوصول إلى حلول قابلة للتطبيق تسهم في إخراج التعليم في الوطن العربي من أزمته من خلال التعاطي مع مكونات العملية التعليمية المختلفة، والحرص على تطويرها وصولا إلى الغاية المنشودة في جعل التعليم العالي والبحث العلمي قوة دافعة لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
وحرص المشاركون على تهنئة مملكة البحرين على مرور مائة عام على التعليم النظامي، والإشادة بالتجربة البحرينية التي تعد أحد التجارب الرائدة في منطقة الخليج العربي.
وطالبوا بوضع مرئيات وتوصيات الندوة أمام الجهات المعنية بالتعليم من أجل العمل على الاستفادة منها حتى لا تبقى حبيسة الأدراج، مؤكدين أن المرحلة الراهنة لم تعد تحتمل التباطؤ في إحداث تغيير جذري في منظومة التعليم في العالم العربي، وتطوير التعليم النظامي وإشراك القطاع الخاص بفعالية في هذا الإطار مع الاهتمام بمنظوم التعليم العالي وتوجيه طاقاتها ناحية البحث العلمي المتصل مع احتياجات المجتمعات العربية، مع تأكيد أن الاستثمار الحقيقي في العالم العربي لابد أن يوجه إلى الاستثمار في الموارد البشرية للأجيال للوطن العربي.
وشددوا على ضرورة جعل خطة تطوير التعليم في أي دولة عربية لا تتغير بتغير الوزراء وذلك وفق رؤية استراتيجية متكاملة وراسخة، مع التشديد على أن مسؤولية التعليم لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، وضرورة المشاركة الفعالة للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
ودعوا إلى الدفع نحو مواكبة المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل مع متطلبات العصر الرقمي والتقني من أجل تفعيل أفضل سبل التواصل بين مكونات العملية التعليمية، مع الحرص على تغيير منظومة التعليم القائمة على الحفظ والتلقين إلى الانتقال السريع نحو تنمية التفكير الإبداعي القائم على الاستنباط والتحليل والابتكار وتشجيع مبادرات بناء المدارس الذكية.
وحث المشاركون وزارات التربية والتعليم في العالم العربي على الاعتماد على نظم تربوية لا مركزية في إدارة القطاعات التعليمية المختلفة من خلال تأكيد أهمية الإدارة التشاركية والإدارة الاستراتيجية تحقيقا للجودة الشاملة في الأنظمة التعليمية.
وأكدوا ضرورة الاهتمام بتعليم القيم التربوية التي تعمل على إعداد المواطن المتزن، وذلك من خلال تشجيع نظم التعليم التي تتولى مخاطبة الوجدان وتساعد في التعرف على قدرات ومهارات كل فرد بما يسهم في تعزيز مشاركته الإيجابية في بناء المجتمع وتنمية قيم الاعتماد على النفس ، الاحترام، التواصل الفاعل، الحرية، العدالة.
وطالبوا بالعمل على تحديث المناهج ووضع برامج علمية جامعية قادرة على خلق مواطن عربي قادر على المنافسة في الاقتصاد العالمي من خلال ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل العالمي، تطوير التعليم المدرسي وإقرار نظام "رخصة المعلم" والتي يتم من خلالها إجراء فحص وتقييم دوري للمعلمين نفسيا ومعرفيا ومهنيا والتأكد من قدراتهم المعرفية والتكنولوجية، باعتبار أن المعلم هو أحد أهم مكونات العملية التعليمية.
وأكدوا ضرورة مضاعفة انفاق الحكومات على البحث العلمي مع جعل الجامعات مراكزا للبحث العلمي وليست مراكزا للتدريس فقط، مع حث القطاع الخاص في العالم العربي على الاضطلاع بدوره ومسؤولياته تجاه مجتمعه من خلال المساهمة الفعالة في التعليم النظامي والتعليم العالي عبر توفير المنح البحثية وفرص التدريب للطلاب والخريجين.
وأشاروا إلى أهمية تعزيز دور الكفاءات العلمية والمراكز البحثية من خلال الاستفادة من رؤيتهم في اتخاذ القرارات التنموية المختلفة وذلك مع ضرورة تفعيل المخرجات البحثية وربطها بخطط التنمية المستدامة، وكذا العمل على اجتذاب الكفاءات الوطنية المهاجرة في هذا الاطار والعمل على الاستفادة منها من خلال برامج البعثات الفعالة بهدف إعداد أجيال وطنية ذات كفاءة عالية.
ودعوا المدرسين وأساتذة الجامعات والأكاديميين إلى التكيف مع العصر الرقمي ومتطلباته وآلياته بغية تحقيق التواصل الأمثل مع الجيل الجديد من الطلاب والدارسين بما يضمن التأثير الايجابي الفعال بين الجانبين، بالإضافة إلى تحفيز خبراء علوم التربية والاجتماع وتقنية المعلومات على دراسة الآثار السلبية لتقنيات المعلومات على القيم المجتمعية واقتراح سبل معالجة هذه الآثار للمحافظة على المجتمعات.
وطالبوا بتضمين مفاهيم المواطنة الرقمية والمواطنة العالمية المشتركة في مناهج وبرامج إعداد المعلمين ومناهج التعليم العام والجامعي، مع الدعوة إلى إنشاء صيغة مشتركة تحت لواء جامعة الدول العربية أو تحالف عاصفة الفكر لايجاد جوانب وحلول عملية للتعاطي مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، إلى جانب المطالبة بوضع وتطوير مواثيق أخلاقية (CODES OF ETHICS) فيما يتعلق بمنتجات التقنية تصميما وانتاجا وتسويقا واستخداما بما يتسق ومنظومة القيم المجتمعية للعالم العربي.
ومن جانبه قال نائب رئيس مجلس امناء مركز عيسى الثقافي المدير التنفيذي د.الشيخ خالد بن خليفة ال خليفة – في ختام أعمال الندوة - شهدنا خلال هذين اليومين تألقاً واضحاً في مستوى المواضيع والأوراق والعروض التي طرحت حول موضوع النسخة الثامنة من ندوة تحالف عاصفة الفكر بعنوان "مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي". فقد راعينا تنوع اختصاصات المتحدثين في الجلسات، تنوعا أعطى لنقاشاتنا ثراءً وتوسعا في فهم وإدراك حقيقة هاجس التعليم والبحث العلمي في عالمنا العربي.
وتابع : إذ أن هذا التنوع يأتي من حقيقة إيماننا بأن التعليم هو معادلة واسعة النطاقات والاختصاصات، ومخرجاتها تمس كل جوانب الحياة، وبذلك فإن وجود المفكر إلى جانب التربوي والأكاديمي والإعلامي والسياسي وغيرهم، بات أمرا في غاية الأهمية لرسم خارطة طريق جادة، نحو مستقبل أكثر قدرة على مواكبة ركب التقدم والتطور والازدهار المعرفي.
واعرب عن شكره للدكتور جمال السويدي على إصراره وعزيمته في أن يبقى هذا التحالف شعلة مضيئة في مسيرة دعم صناعة واتخاذ القرار العربي، كما شكر أعضاء التحالف من مراكز وشخصيات لها أثرها في رفد واقعنا بمزيد من البحث والارتقاء والتجديد، شاكرا اللواء خالد فودة محافظ محافظة جنوب سيناء على لطف تعامله وروحه الجميلة هو وكافة منتسبي المحافظة، مما ترك أثرا رائعا في نجاح انعقاد هذه الندوة.
وكانت جلسات اليوم الختامي للندوة قد ناقشت محورين الأول حول الثورة الصناعية الرابعة مسيرة تشكيل مستقبل علمي مشترك وأدار الجلسة الأمين العام لمنتدى الفكر العربي بالمملكة الاردنية الهاشمية د.محمد ابو حمور وتحدث فيها كلا من د.صالح المانع الأستاذ المتقاعد بجامعة الامام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية و د.عبدالحق عزوزي استاذ اكاديمي بالمملكة المغربية .
وأكد د.محمد ابو حمور أن المستقبل للابداع والابتكار والاختراع والتقنية والتعليم المستمر، وكاشفاً عن نسبة 18.3% من أطفال العرب محرومين من التعليم في كلا من ليبيا وسوريا والعراق والصومال واليمن، فيما دعا د.صالح المانع إلى تشجيع ما أسماه بالتداخل بين العلوم والمعارف والعمل على خلق أجيال جديدة تستطيع العمل الجماعي حتى تكون قادرة على تأسيس مشاريع مستقبلية تنافس في سوق العمل للخريجين، مشددا على أن اقامة مشروعات مشتركة بين التخصصات المختلفة سيسهم في توفير فرص العمل في المستقبل.
ومن جهته اشار الاكاديمي المغربي د. عبدالحق عزوزي الى ان دراسة للبنك الدولي صدرت مؤخرا اوضحت ان الوطن العربي يحتاج الى 230 مليار دولار لتحقيق التنمية المستدامة بينما المتوفر منها نحو 130 مليار دولار فقط أي أن العجز يبلغ نحو مائة مليار دولار، لافتا إلى ان نحو ثلاثين مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر وان 57 مليون عربي لا يعرفون مبادئ القراءة والكتابة وان معدل البطالة في الوطن العربي يبلغ 10.6%، وان نسبة 45% من الهجمات الالكترونية مصدرها المنطقة العربية وأن نحو عشرين الف كتاب يصدر سنويا من العالم العربي.
أما الجلسة الثانية فقد تمحورت حول قضية " التعليم العالي والمدارس الذكية ..التحولات في منظومة القيم "، وقد أدارها الباحث الاكاديمي بجامعة ابوظبي د.سلطان النعيمي، وتحدث فيها كلا من الرئيس التنفيذي لهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب بمملكة البحرين د. جواهر المضحكي، واستاذ تطوير النظم التربوية بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية د.بدر بن عبدالله الصالح.
وقد استعرضت د. جواهر المضحكي في مداخلتها المفهوم العام للمدارس الذكية من خلال سبعة مبادئ رئيسة وهي المعرفة التوليدية، ذكاء قابل للتعلم ، التركيز على الفهم العميق، التعليم للاتقان والنقل ، التقييم المتمركز حول التعليم ، الاعداد للتعقيدية ، المدرسة كمؤسسة تعليمية، كما أشارت إلى جهود مملكة البحرين في ملف التعليم منذ المشروع الاصلاحي لجلالة الملك عام 1999.
وبشأن التحولات العالمية أشارت د. جواهر المضحكي إلى أن التغيير بات حتميا لكن المتغيرات باتت متسارعة من حيث الوتيرة والفترات الزمنية كما أن المعلوماتية أصبحت غير محدودة من حيث الغزارة والمدى والتوفر، لافتة إلى أن امتلاك المعلومات هي مصدر قوة tمن يتحكم فيها وفي سبل انتاجها وعرضها يتحكم في العالم.
وتطرقت د. جواهر المضحكي إلى الاقتصاد العالمي مشيرة الى انه أصبح تشاركيا وتتأثر الدول بعضها ببعض، مشددة على أنه لضمان البقاء في هذا العالم فلابد من التميز لأنه لو لم تجد ما يميزك في السوق العالمية فستندثر، داعية إلى التحفيز على الإبداع ومراعاة المبدع منذ البدايات الأولى.