آخبار عاجل

مقاهينا الشعبية.. بقلم السفير خليل الذوادى

02 - 05 - 2019 3:51 485

المقاهي الشعبية في بلادنا العربية لها روادها بكل ما يحملونه من تراث وأرث ثقافي، مفاهيمي، قيمي، إنساني، صحيح أن معظم الرواد من أجيال سبقت تقدم بها العمر، إلا أن هذه المقاهي لا تعدم وجود فئات أقل منهم عمراً منهم من تقاعد بعد أن بلغ من العمر ستين عاماً، ومنهم من هو مقبل على التقاعد، وكأن هذه المقاهي مكان ملائم للتكيف مع سن التقاعد، والإقبال على حياة جديدة لها معاييرها، وربما لغتها التي يتم التفاهم بها.

وبلادي مملكة البحرين حفلت بهذه المقاهي الشعبية في المدن والقرى ويغشاها تلك الفئات من الرواد الذين سبق ذكرهم قد يقضي هؤلاء الساعات في الحديث وربما الصمت والتأمل فيما حولهم وفي الحديث الدائر بينهم، لا يهم إن جاءت أشعة الشمس على الوجوه السمراء فجو الحديث يأخذ منهم أي تفكير في حماية الذات لأن في تعليقاتهم، وظرفهم ما يخفف عنهم أشعة الشمس المحرقة، وتتخلل هذه الأحاديث أصوات «إستكانات» الشاي الأحمر، أو أصوات «الملة»، أي الشاي بالحليب، أو أوعية النخي «بلح الشام» على رأي إخواننا المصريين، أو حبات «الحمص» على رأي إخواننا الشاميين، والبعض يحلو له تدخين «القدو» على غرار «الشيشة» في زماننا الحاضر، فالكل يمارس هوايته ويحقق رغبته في تفاهم وانسجام بين الرواد. وصاحب المقهى والعاملون فيه يسعون جاهدين لتلبية رغبات الرواد وإرضاء خواطرهم، ولا غرابة في أنهم يعرفون رغبة الزبون قبل أن ينبس بكلمة، فقد ألفوا الطلبات وأصحابها وبات لكل واحد من هؤلاء الرواد «الكتلوج» الذي يناسبه.. إنها لغة التفاهم وقراءة الأفكار، ودراسة الرغبات وهذا ما نحتاج إليه في التفاهم فيما بيننا... ألم يقل الأقدمون «نحن أهل قرية كل يعرف خيه»، ومن أسس المعرفة أن تكون ملماً بحاجة أخيك ورغبته في التفاهم معك بذكاء وفطنة، فلا تحرج مشاعره ولا تسيء إليه، وتعامله برفق وتهون عليه، وتسامحه إذا لم يكن عنده من النقود ما يسدد به ما أمر به لحين فك الضائقة فابن آدم تمر به ظروف خارجة عن إرادته، لكنها أخلاق أهل المقاهي القائمة على «نظرة إلى ميسرة».

مقهى عبدالقادر الشعبي بالمنامة من موقعه القديم، وموقعه الجديد بإحدى الزوايا بالعاصمة المنامة؛ يشهد يومياً نماذج من الناس البسطاء في بلادي ممن يتعاملون بروح المودة والتعليقات غير المسيئة والضحكات والابتسامات، ما يفتح المجال أمامهم للكلام ولمزيد من مواقف الظرف.

إنها ثقافة المقاهي تستتبعها ثقافة مجتمع قائم على المحبة والاختلاف الذي فيه إثراء وإغناء لقوة المجتمع ككل، فالمقاهي تجمع مختلف فئات المجتمع منهم من عمل في الوظائف الحكومية، ومنهم من عمل في القطاع الخاص، ومؤسسات وشركات ومنهم من عمل في أعمال حرة، ربما جار عليها الزمن فانتهت بانتهاء الحاجة إليها، ومنهم من عمل في التجارة فجار عليه الزمن وأصيبت تجارته بالكساد، فشكر الله على كل حال، فالدنيا دواره، والمرء لا يملك إلا الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، غير أن الأمل في السعادة ونسيان الماضي من شيم الرجال الصابرين.

قد تجد من بين الجالسين من يبيع الخواتم والسبح، ويفتخر بأن بضاعته من أجود أنواع الفيروز والأحجار الكريمة، ومن الفضة الخالصة البحرينية، بأيدي ماهرة فالرزق على الله، ولكل بضاعة ذوق ومشترٍ، فالبائع يسعد بشراء ما يعرضه والمشتري يفخر باقتنائه القطعة التي يرغب فيها وبسعر مناسب ومعقول..

إننا مدعوون لأن نعيش هذه البساطة بكل معانيها وقيمها وثقافتها، فالبساطة ترضي النفس، وتحقق الطموح في استقرار النفس، وطيبة الخاطر، والقناعة، وتخلق بين الناس المودة والصراحة والمكاشفة والبعد عن التكلف والغرور، والتباهي بما يملك ومما لا يملك، فالدنيا فانية والمرء لا يملك إلا سمعته وطيبته وأخلاقه وتعامله الإنساني مع الآخرين مع الأخذ والعطاء وتبادل المعرفة والتجارب الحياتية.

إنها ثقافة المقاهي الشعبية في بلادنا ببساطتها وعفويتها وسجيتها والناس الذين يغشونها بكل ما يحلمون به ويأملونه في تحقيق أمانيهم في الاستقرار والأمن والأمان والدعة والعيش الذي يحفظ كرامتهم وكرامة أبنائهم وأسرهم.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved