اعتبر رئيس جمعية مصارف لبنان، ورئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، الدكتور جوزف طربيه أنه "في ضوء التطورات الحاصلة والمرتقبة، من المتوقع ان تستمر الضغوطات والتحديات للمصارف العربية المتمثلة في استمرار التباطؤ في نمو الودائع والتراجع في نوعية الاصول. كما يعاني عالمنا العربي بشكل عام من معدلات منخفضة من التنمية الاقتصادية. هذا عدا عن دفع رؤوس الاموال العربية الى المزيد من الهجرة، وترسيخ البيئة الطاردة للاستثمار في الوطن العربي. في وقت تشكل مستويات الديون السيادية خطراً حقيقياً في ظل اتجاه أسعار الفوائد الى الإرتفاع عالمياً ومحلياً. امام هذا الواقع، علينا ان نعيد صياغة خطط التنمية الاقتصادية والاصلاح في منطقتنا، وذلك من خلال تنويع مصادر النمو، والدخول في جيل جديد من الاصلاحات، وتشجيع تنمية ريادة الاعمال وتعزيز مصادر التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الناشئة، وتنمية اقتصاد المعرفة كمحرك اساسي للنمو".
منوهاً الى ما يقوم به لبنان حالياً من اصلاحات في اقتصاده وماليته العامة ومحاربة الفساد وتحسين مستويات الحوكمة، بالقول: "ان لبنان يواجه في الواقع استحقاقات ملحة على صعيد المالية العامة للدولة اذ الحقت الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية في المنطقة وتدفق ما تجاوز المليون لاجئ سوري اليه هرباً من اتون الحرب في بلادهم اضراراً فادحة في الاقتصاد اللبناني. ولا يزال لبنان يناضل ليسترد عافيته من ثقل هذه الاحداث حيث باتت الخزينة اللبنانية مثقلة بالديون التي تفاقمت وتيرتها في السنوات الاخيرة مما يتطلب معالجات قاسية بدأت الحكومة اللبنانية بمناقشتها من خلال مشروع الموازنة العامة المرجو أن تتمثل فيه حزمة التدابير التي تتخذها للتخفيف من نسبة العجز. إن المطلوب اجراءات تؤدي الى تغيير مهم في جانبي النفقات والواردات من الموازنة من شأنها، من جهة، تحقيق خفض جوهري في الانفاق العام، وخاصة لجهة اعتماد سياسة تقشف حقيقية وترشيد الانفاق ووقف الهدر، ومن جهة ثانية اتخاذ تدابير إجرائية من شأنها تحسين الايرادات الضريبية وضبط التهرب الضريبي وتحسين الجباية".
وركز طربيه على النقاط التالية:
أولاً، إن القطاع المصرفي في لبنان يأمل ان تنجح الدولة الللبنانية بتعهداتها باقرار الموازنة العامة الإصلاحية الموعودة، مع التحسب لحجم الصعوبات التي تواجهها من مختلف المتضررين من التدابير الجديدة.
ثانياً، ان التصحيح المالي يتطلب خفض عجز الموازنة الى مستويات مقبولة جرى التعهد بها في خطة سيدر واستطراداً تأمين التوازن المالي، مما يستوجب اعادة هيكلة القطاع العام وخفض حجمه وترشيد انفاقه وتحديثه لزيادة فعاليته ومكافحة الفساد وتحسين الجباية.
ثالثاً، لا يجب ان يشعر المجتمع المالي، ومن خلاله المودعون في المصارف، او حاملي سندات الدين السيادي اللبنانية، ان البلاد مطية للشعبوية، اشارة الى الاصوات التي ترتفع بين حين وآخر، مطالبة بصورة مباشرة او غير مباشرة بجدولة الدين العام او اعادة هيكلته او ما شابه ذلك من آليات عدم التسديد عند الاستحقاق، او مخالفة القواعد المتبعة في الاسواق المالية الدولية، إذ ان ايفاء لبنان بالتزاماته المالية هي ركن اساسي من سياسته المالية.
رابعاً، ان القطاع المصرفي في لبنان هو اللاعب الاساسي في حياة لبنان الاقتصادية، فالتمويل الذي قدمه للدولة اللبنانية امن استمرار قدراتها، والتمويل الذي قدمه للإقتصاد الوطني يتجاوز حجم الناتج القومي، وهو أخيراً وليس آخراً من عزز بايداعاته احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، مما ساعد على الحفاظ على الاستقرار النقدي طيلة ربع القرن الماضي ولجم التضخم وحفظ القوة الشرائية للرواتب والاجور واصحاب الدخل المحدود. لذلك يجب عدم استسهال التعرض للنظام المصرفي وودائعه بالضرائب الموسمية عند كل مناسبة كما حصل في العام الماضي، عند فرض الازدواج الضريبي على تكليف دخل المصارف من الفوائد، وكذلك رفع معدل الضريبة على فوائد الودائع الى 10 في المئة هذا العام، مما يؤثر على تدفقات راس المال الى لبنان، ويضعف من قدرة القطاع المصرفي في تأدية دوره التمويلي، وينعكس سلباً على أسعار الفوائد وعلى كلفة تمويل الاقتصاد اللبناني.