عندما أرادت كيران مازومدار شو أن تحصل على وظيفة في شبابها في أحد المصانع ، أوصدت جميع الأبواب في وجهها لمجرد أنها امرأة. لكنها الآن صارت صاحبة شركة “بيوكون” للصناعات الدوائية، فكيف تمكنت من تحقيق ذلك؟
تعود بداية القصة إلى عام 1978، وكانت مازومدار شو قد عادت للتو إلى وطنها الهند بعد أن حصلت على شهادة ماجستير في إعداد الجعة، من إحدى الجامعات في أستراليا.
وبالرغم من أنها كانت تحمل الدرجة العلمية التي تؤهلها للعمل في مجال تصنيع الجعة، إلا أن جميع شركات الجعة في الهند رفضت تعيينها.
وتقول مازومدار شو، التي تبلغ من العمر الأن 65 عاما: “قال لي مسؤولو التوظيف بهذه الشركات صراحة إنهم لا يحبذون تعيين امرأة في مجال صناعة الجعة”.
مما لا شك فيه أن هذا الوضع كان مجحفا بحقها وغير منصف، ولكن ربما شاءت الأقدار أن تواجه هذه العراقيل لتبتعد تماما عن مجال صناعة الجعة.
وعندما خابت مساعيها للحصول على وظيفة في مصانع الجعة في الهند، قررت مازومدار شو في المقابل أن تؤسس شركة “بيوكون” للصناعات الدوائية.
واليوم تجاوزت قيمة الشركة السوقيه 400 مليار روبيه، ما يعادل 5.6 مليار دولار، وتقدر ثروة مازومدار شو الشخصية بنحو 3.5 مليار دولار. وتعد السيدة مازومدار شو المليارديرة العصامية الوحيدة في الهند.
ولدت مازومدار شو لأسرة متوسطة الحال في مدينة بنغالور، وحصلت على درجة البكالوريوس في علم الحيوان من جامعة بنغالور، وبعدها سافرت إلى أستراليا لدراسة تصنيع الجعة.
وبعد أن رفضت جميع مصانع الجعة في الهند توظيفها قررت البحث عن وظيفة في الخارج.
لكن عندما حان موعد تسلمها الوظيفة في مصنع جعة في اسكتلندا، أتيحت لها فرصة مقابلة رائد أعمال أيرلندي يُدعى ليسلي أوشينكلوس، الذي كان يرغب في إقامة مشروع للصناعات الدوائية في الهند. وأبهرته فطنة مازومدار شو وشخصيتها إلى حد أنه طلب منها أن تصبح شريكته وترأس الشركة.
رفضت مازومدار شو العرض في البداية، وتقول: “أخبرته أنني لست أهلا بالمرة لهذه المهمة، فأنا ليست لدي أي خبرة في التجارة والأعمال، ولا أملك مالا لأستثمره”.
لكن أوشينكلوس استطاع أن يقنعها في النهاية بأن تجرب حظها لعلها تنجح، ومن هنا كانت بداية شركة “بيوكون” في عام 1978.
وأسست مازومدار شو الشركة في مرآب سيارات، واستثمرت فيها جميع مدخراتها التي لم تتجاوز 150 دولارا، لكن العقبات التي وقفت في طريقها كانت تشمل التمييز ضد المرأة، والقوالب النمطية المسبقة للحكم على الناس، إذ لم تجد أحدا يرغب في العمل في شركة ترأسها امرأة.
وتقول مازومدار شو: “جميع المتقدمين للعمل، رجالا ونساء، لم يتصورا العمل تحت قيادة امرأة تديرهم. فعندما كانوا يدخلون إلى المرآب، كانوا يظنون أنني سكرتيرة بالشركة”.
وبعد أن قابلت 40 متقدما للوظيفة، استطاعت في النهاية أن تعين أول موظف لديها، وكان عامل سابق في ورشة إصلاح وصيانة سيارات.
وكان التحدي الأخر الذي واجهته هو جمع رأس المال، إذ رفضت جميع المصارف إقراضها المال اللازم لبدء المشروع.
وتقول مازومدار شو: “كنت أبلغ من العمر حينها 25 عاما، وعندما كانت المصارف تنظر في طلبي، وتجد أنني فتاة، وأحاول أن أؤسس شركة لا يفهم نشاطها أحد، كانت ترفضه، لأن هذين السببين كفيلان برفض أي طلب للحصول على قرض في الهند”.
وفي النهاية، وافق مسؤول واحد في بنك على إقراضها المال في عام 1979.
في البداية، كانت “بيوكون” تصنّع الإنزيمات التي تستخدم في إنتاج المشروبات الكحولية والورق وغيرها من المنتجات. وكان معظم عملائها في الولايات المتحدة وأوروبا.
وكانت تصنّع لمصانع الجعة إنزيمات مستخرجة من ثمرة الباباظ أو البابايا تمنع حدوث التفاعلات التي تؤدي إلى ظهور عكارة في الجعة عند تبريدها.
وفي مطلع القرن الحالي، شرعت الشركة في التركيز على إنتاج المستحضرات الصيدلانية البيولوجية، وهي أدوية مشتقة من مصادر حيوية.
وقد أدر عليها هذا النشاط ربحا وفيرا، وفي عام 2004، أصبحت شركة “بيوكون” ثاني شركة هندية تتخطى حاجز المليار دولار في اليوم الذي طرحت فيه أسهمها في البورصة الوطنية في الهند.
وتقول مازومدار شو، التي تتولى منصب رئيسة مجلس إدارة الشركة: “كانت مفاجأة لم أتوقعها بالمرة، فرغم أننا كنا ندرك أن نختلف عن سائر الشركات في السوق الهندي، إلا أننا لم نهتم بإعادة تقييم الشركة التي ارتفعت قيمة أسهمها منذ بداية تأسيسها”.
وبلغت إيرادات الشركة عن السنة المالية الأخيرة 172 مليون دولار، ووصل إجمالي الربح إلى 18 مليون دولار. وأصبح للشركة فروع في ما يربو على 100 دولة، وتجني الشركة 68 في المئة من عائداتها من الأسواق العالمية. وتسهم مستحضرات الإنسولين بأنواعها بالنصيب الأكبر في أرباح الشركة.
يقول أبهيمانيو سوفات، رئيس قسم الأبحاث بمجموعة “إنفولاين” للخدمات المالية بالهند: “تلتزم كيران بجميع معايير وضوابط إنتاج المستحضرات الصيدلانية البيولوجية وتطبقها بصرامة”.
ويضيف: “وإذا تمكنت الشركة من الحصول على موافقة الجهات التنظيمية في دول أخرى، قد تتضاعف أرباحها أربع أو خمس مرات مع حلول عام 2021”.
وتأمل مازومدار شو، التي تمتلك 40 في المئة من أسهم شركة “بيوكون”، في المستقل أن تنافس كبريات شركات الأدوية في الغرب. وتقول: “أريد أن أدخل مضمار المنافسة مع هذه الشركات العملاقة”.
وتوجت نجاحاتها في التجارة والأعمال بجائزة “بادما بوشان”، وهي واحدة من أرفع الجوائز في الهند، بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى.
تقول مازومدار شو إنها عندما تنظر إلى مجتمع التجارة والأعمال في الهند تشعر “بخيبة أمل”، لعدم وجود أي مليارديرة عصامية أخرى.
لكنها لا تزال تعلق أمالا على النساء في الهند لتغيير الوضع الحالي، وتقول: “أتمنى أن يزداد عدد المليارديرات العصاميات في الهند في السنوات العشر المقبلة. أما في الوقت الحالي، فأتمنى أن أرى سيدات أعمال ناجحات، سواء كن عصاميات أو غير عصاميات. كل ما أريده هو أن تتولى المزيد من السيدات أدوارا قيادية في عالم التجارة والأعمال”.
وتقدم مازومدار شو النصح والإرشاد للكثير من رواد الأعمال الواعدين، من الرجال والنساء.
وتقول مازومدار شو إن نصيحتها لرواد الأعمال هي: “الإخفاق حدث عابر، لكن الاستسلام هو نهاية المطاف. فلا تخشى من الإخفاق. بل عليك أن تقاوم وتتحمل وتبذل قصارى جهدك لبلوغ خط النهاية”.