كنت في حديث يوم الأربعاء 3 رمضان 1440هـ الموافق 8 مايو 2019م في حفل استقبال صحيفة الأيام بمناسبة حلول شهر رمضان مع الوجيه رجل الأعمال رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين السابق السيد خالد بن عبدالرحمن المؤيد عن اهتمامنا بشؤون أبنائنا وأحفادنا والقلق الدائم الذي ينتابنا عن مستقبلهم الدراسي والعملي كوننا شرقيين أسرنا ممتدة، نقلق على أبنائنا وأحفادنا وهو الشغل الشاغل في معظم تفكيرنا، بينما في الغرب لا يوجد مثل هذا الإحساس والشعور إلا ما ندر، فقيمهم وسلوك حياتهم جعلهم يسلكون طرقا أخرى في تربية الأبناء... ولا يستطيع أحد أن يجزم بصحة أو خطأ هذا السلوك أو ذاك، فالمجتمعات ترسم لنفسها خطوطا ومسارات ترتضيها لنفسها وتعيش عليها ولو بمقدار، وكل يسلك الطريق الذي يشعر فيه بالأمان ومعايير وقيم المجتمعات من الصعب الحكم عليها بالخطأ أو الصواب.
أتذكر أنه في العام 1974م وكنت في بداية خطواتي الأولى في الإعلام رتب لي المغفور له بإذن الله تعالى السيد طارق عبدالرحمن المؤيد وزير الإعلام الأسبق دورة تدريبية تشمل زيارات للإذاعة والتلفزيون في العديد من القنوات والموجات الإذاعية والتلفزيونية الأمريكية ضمن برنامج الزائر الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت الدورة تبدأ في جامعة سراكيوس للإعلام وكان من ضمن البرنامج أن نسكن مع عائلة متطوعة لاستضافة الطلبة الأجانب بغية التعرف على عادات وتقاليد المجتمع الأمريكي بينما تتعرف العائلات على هؤلاء الطلبة الذين أتوا من أنحاء العالم، وكنا مجموعة من دول عربية وخليجية وآسيوية وأفريقية وأوروبا الشرقية.. وسكنت مع عائلة الزوج هو جون رش مور John Rassmoore يعمل في شركة تأمين والزوجة ميري رش مور Marry Rassmoore كانت تعمل في محل تجاري وتقاعدت ولهم من الأبناء بنتين وولد الأبناء تفرقوا في ولايات متعددة وإن بقيت البنت الصغرى معهما وحياتهم تتم من خلال التواصل بالمناسبات كأعياد الميلاد مع الاطمئنان من خلال التلفون على أوضاعهم، واهتمت الأم بتربية كلب المنزل الذي أصبح بدوره يعرف زوار العائلة ويكون أول المرحبين بالزوار لدرجة أنه عندما اعتاد وجودي في المنزل كنت عندما أعود من الكلية مساء يفتح لي الباب ويعلن بنباحه عن وصولي.
من حسن الصدف أن هذا البرنامج عرف العائلات الأمريكية التي اتخذت من التطوع، أسلوب طريقة عيش هؤلاء الطلاب من أقطار شتى وعلى إسلوب حياتهم في بلدانهم وارتباطهم بأسرهم وفي نهاية الدورة كلف الشخص جون الذي كنت ضيفا عنده بالتحدث نيابة عن الأهالي المستضيفين للطلاب الزائرين فتكلم بأسلوب من اكتشف عمق صلات هؤلاء الطلاب بأولياء أمورهم وتعلقهم بهم وتبادل الإتصالات والرسائل التي تؤكد على الترابط المجتمعي والأسري وإنهم أناس لهم عاداتهم وتقاليدهم التي يجب أن تحترم وتقدر...
فالفطرة الإنسانية لدى كل واحد منا تجعلنا الأقرب إلى فلذات أكبادنا وإن تغيرت الظروف والأوضاع وتأثرت القيم المجتمعية بتطورات الأحداث وتسارعها...
من حقنا أن نقلق على أبنائنا وأحفادنا في زمن صعب، زمن فيه تحديات كثيرة ومعطيات ومستجدات لم يألفها مجتمعنا وباتت تشكل تحديا يوميا لقيم صمدت كثيرًا ومعايير المحافظة عليها تتطلب جهودًا مضاعفة فهم يتعرضون لوسائل تواصل اجتماعي السباق فيها محموم، والحصول على أعلى التقنيات تتسابق فيه دول وشعوب وتحديات تهدد الاستقرار والأمن من عوامل متعددة وتتفنن فيها عقول تنشد مصالحها الآنية والذاتية دون اعتبار للآخرين في سعي لتشكيل إنسان نموذج هم في نظرهم يناسب المرحلة المقبلة...
ترى هل نقف نحن متفرجين، وننتظر القادم لنأخذ ما نراه مناسباً أم أننا من المفروض أن نقيم الأوضاع اجتماعياً، وتربوياً، وتعليمياً، وسياسياً، وثقافياً واقتصادياً وتكون لنا دراساتنا وخططنا وبرامجنا للمستقبل...
صحيح أن هذا الشعور بالقلق قد انتاب من قبل أجدادنا وآبائنا فهم يرحمهم الله كانوا يبدون قلقهم لنا يومياً وعندما يجدون صدوداً منا يقولون «غدًا تكبرون ويكون لكم أولاد وستعرفون حرة الأبناء على قلبكم وستدركون حقيقة مشاعرنا تجاهكم».
فعلاً كانت هذه هي مشاعرهم، وعندما كانت جدتي لأبي يرحمها الله لطيفة بنت حجي بن عامر الذوادي تتمثل بالقول: «قلبي على ولدي وقلب ولدي على الصخر».
لم نكن في عمرنا الغض ندرك حكمة هذا القول الفصل ولكنها حقيقة نعايشها يومياً ونأمل من أبنائنا وفلذات أكبادنا أن يعوا حقيقة التربية والاعتناء بالأولاد والبنات وأن دور الأب والأم لا يتوقف عند عمر معين أو مرحلة من مراحل نشوء الأولاد فسنظل بتركيبتنا وقيمنا وثقافتنا قلقين على أبنائنا وأحفادنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وعلى الخير والمحبة نلتقي