آخبار عاجل

"معركتي لم تبدأ بعد " بقلم : عصمت الموسوي

31 - 05 - 2019 5:39 762

ذكرتني أجواء التصعيد الإعلامي والسياسي الدائر بين الولايات المتحدة وإيران وزحف حاملات الطائرات على المنطقة هذه الأيام ،ذكرتني بالأيام الثلاثة التي قضيتها على متن حاملة الطائرات الامريكية هاريرز  في شهر مارس من عام 2003
قبل يومين من الانضمام الى الرحلة اجتمع بنا فريق امريكي متخصص، وقدم لنا  
شرحا وافيا عن تفاصيلها وشروطها ، وقعنا على عقد يخلي مسؤولية الجهة المنظمة أي الولايات المتحدة من أي ضرر قد نتعرض له ، وجاء النص كالتالي  " اذا تعرضتم  لإصابة او وفاة من طرفنا او طرف العدو" نيران عدوة او نيران صديقة او من طرفكم شخصيا او حدث لكم مكروه بالصدفة فأنكم وحدكم تتحملون كل المسؤولية ولا تعويض لكم.
كنا خمسة صحافيين من اليابان وأستراليا والهند وبريطانيا ،حملتنا طائرة هيلوكوبتر تضم جنود الدرجة الثالثة والمؤنة والعتاد وغيرها ، قبل الصعود بلحظات انتابني خوف وجزع ما يسمى بالفوبيا او رهاب الاماكن الضيقة وفكرت بالتراجع ،فقد بدت لي الطائرة مزدحمة واشبه بزجاجة ، وكنت مسهدة وجائعة ، نظرت خلفي فاذا طابور من الركاب يهم بالصعود فتراجعت،قبل اقلاع الطائرة بلحظات قدموا لنا سلة تحتوي قطعا صفراء صغيرة ، فتحتها بسرعة ووضعتها في فمي ، أشار علي احدهم ان هذه ليست حلويات كما يبدو مظهرها بل سدادة اذن لتخفيف ضجيج الطائرة .
وصلنا بعد ساعة الى الحاملة التي منها انطلقت الطائرات الحربية لقصف جنوب العراق فألفينا انفسنا في مكان ما وسط البحر ،لم نكن نعرف اين نحن على وجه التحديد لكن لاح لنا من بعيد وهج ابار النفط المشتعلة ،كان بانتظارنا عددا من المدربين والخبراء لحظة الوصول ، أولها التدريب على الحياة على ظهر الحاملة واستخدام مرافق السفينة وفتح الأبواب وغلقها ،ثم هناك مدرب اخر وزع علينا الملابس الواقية واقنعة الحماية من الكيماوي وارشدنا الى كيفية استخدامها ، وشاب ثالث قام بتدريبنا على الهرب والقفز الى البحر واستخدام قوارب النجاة .
تشاركت في غرفتي السفلية الصغيرة التي تقع اسفل مدرج الطيران مع زميلتين أخريين، ولم نكن نهجع بسبب الازعاج الواقع فوق رؤوسنا دوما وطلعات الطائرات الحربية و التدريب والصيانة
الحاملة جبهة قتال ، لكنها كانت حربا من طرف واحد، فلم نجد قصفا مضادا ولا مقاومة ولا كيماوي ،وتنتظم الحياة على الحاملة بدرجة عالية من الدقة والترتيب ، يستيقظ الطيارون فجرا ، ملابسهم النظيفة المكوية معلقة على أبواب غرفهم منذ الليل ،ينتظرهم بوفيه الإفطار والشاي والقهوة ،يلتقون القيادة قبل انطلاقهم وهم حالقي الذقن وفي كامل اناقتهم وكأنهم متجهين الى مكاتب عمل رسمية، وكنا نحن الصحفيون نجلس في الصفوف الخلفية لغرفة القيادة العسكرية ونتابع التعليمات التي يتلقاها الطيارون من قائد العمليات وهو يشير الى خارطة الجنوب العراقي والاهداف المراد قصفها ،تبدا مهمة الطيارين فجرا وتنتهي بعد ساعتين تقريبا، وكثيرا ما نرى الطائرات تعود بأكثر من نصف حمولتها ،قال لي احد الطيارين : ان العتاد الموجود على متن الحاملة يكفي لقصف قارة .
أجريت وقتها مقابلات مع قائد الحاملة والطيارين والمراقب الجوي واغلب طاقم السفينة، وتنقلت في اغلب أجزاء الحاملة باستثناء الزوايا المحضورة ،نقلت مشاهداتي وانطباعاتي ضمن تقاريري اليومية، في اليوم الثاني لوصولنا اخذونا الى جولة بالغواصة المائية والتي تقفل أبوابها من الداخل والخارج وهي تجربة مثيرة الا انها مخيفة لمن يعاني رهابا على شاكلتي
بعد انتهاء القصف الجوي الذي استمر عدة أيام، نزل الجنود على الأرض وبدأت الحرب البرية وسقطت المدن واختفى الجيش العراقي ومعه تصريحات وزير الاعلام العراقي المهددة والمتوعدة، في ابريل من العام نفسه دخلت الى العراق برا عبر منفذ العبدلي ولكن تلك رحلة أخرى.
ثلاثة أيام طويلة شاركنا الجنود الذين ناهز عددهم الالف شخص من مختلف التخصصات والمهن والادوار الغذاء والعشاء ووقت الراحة الطويل والاحاديث والقصص لتزجية الوقت وانعدام وسائل الترفيه ، راسلت صحيفتي عبر الايميل الخاص بالسفينة وهو رقم خاص يعطى لنا لمدة وجيزة جدا ، وتناولت في تقاريري ما توفر لي من مادة شحيحة جدا ، ورغم مأساوية الحدث والكذب والتضليل الذي بني عليه قرار الحرب والذي تجلى لاحقا، وتبين معه حجم الخدعة الكبرى والكذبة الكبرى حول ما سمي بسلاح الدمار الشامل العراقي، اعتبرت ان تجربتي على ظهر الحاملة واحدة من اهم التجارب الصحفية واغناها ،ولم تكن مقاطعتي الإعلامية لحدث كهذا لتجدي نفعا ،فالحرب واقعة لا محالة شئنا ام ابينا، واما ساحتها فهي أراضينا واجواءنا وبحارنا والتي تثير شهية صحافة العالم لتغطيتها ، وارى ان قدر الصحفي ان يتواجد في أي مكان يشهد قصة خبرية شرط الالتزام بأكبر قدر من الحياد والموضوعية والمهنية ، قلت لمن كان ينتقدني وقتئذ " سأذهب الى الخبر الصحفي دوما حتى لو كان على ظهر ابليس " .
قبل ساعات من انتهاء الرحلة ونحن ننتظر الطائرة التي ستقللنا الى ارض الوطن زرت قسم الهدايا بالسفينة ،اشتريت بعض القطع التي تحمل شعار الحاملة وتاريخ تصنيعها وتجاربها الحربية السابقة وجملة منقوشة في قلب علمها " معركتي لم تبدأ بعد "
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved