جميل أن تعطي من يسألك ما هو في حاجة إليه، ولكن أجمل من ذلك أن تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته، ربما كتب الفيلسوف والشاعر العربي جبران خليل جبران هذه النصحية عن الانسانية في كتابه الشهير النبي، دون أن يرى كارولا راكيت، تلك الفتاة التي نفذت ما أوصى به جبران، ربما دون أن تعرفه أو تعرفه كتابه.
راكيت، تلك الفتاة التي تنظر إليها تعتقد من الوهلة الأولى، أن تكون فتاة طائشة تحاول أن تعيش أيامها مثلما يفعل غالبية شباب جيلها، بجسدها الذي يملئ الوشم، وابتسامتها التي تفتح القلوب، سرعان ما يتحول اعتقادك إلى انبهار بمجرد معرفة تفاصيل قصتها، ومحاولاتها إنقاذ الانسانية من الغرق في المتوسط.
قادت كارولا راكيت، الألمانية ذات الـ35 عاما، سفينة "سي ووتش 3" التي تحمل علم هولندا وتوجهت إلى البحر الأبيض المتوسط، من أجل إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين، الذين يحاولوا عبور أمواج البحر بواسطة مراكب مطاطية صغيرة للغاية، تعرض حياتهم للخطر.
استطاعت كارولا، إنقاذ ما يقرب من 1000 مهاجر طوال فترة مشاركتها في هذه المهمة الإنسانية العظيمة، كما استطاعت الإبحار لمدة أسبوعين وعلى متن سفينتها 40 مهاجرا أفريقيا، أنقذتهم من وسط أمواج البحر، قبل أن ترسى بميناء لامبيدوزا الإيطالي، لتلقي الشرطة الإيطالية القبض عليها بتهمة التشجيع على الهجرة غير الشرعية، تلك التهمة التي قد تصل عقوبتها إلى 20 عاما في السجن.
وكرد فعل على القوانين البشرية التي تقف أمام الإنسانية، انطلقت حملة "الحرية لبيا" على مواقع التواصل الإجتماعي لدعم الألمانية بيا كليمب، ومن ناحية أخرى وقع أكثر من 190 ألف شخص على عريضة لدعمها، هدفها المطالبة بإسقاط الإجراءات الجنائية ضد القبطان كليمب وضد أعضاء الطاقم الآخرين الذين أنقذوا آلاف المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، كما وصلت حجم التبرعات إلى بيا 150 ألف يورو من أجل دفعها للإفراج عنها.
وفي النهاية، ألغت محكمة إيطالية فرض إقامة جبرية على بيا قبطانة سفينة "سي ووتش"، لتعود إلى بلادها وتستمر في حربها من أجل الانسانية ضد القوانين البشرية، وتدعو الاتحاد الأوروبي إلى حماية حقوق الإنسان، والحق في الحياة، والتقدم بطلب للجوء، وواجب البحارة في إنقاذ من يعاني الأخطار في البحر.