آخبار عاجل

القصة الخبرية الإبداعية.. بقلم : عصمت الموسوي

05 - 07 - 2019 1:34 643

في مطلع حياتي الصحفية اهداني الزميل الراحل الصحفي المصري علي محمود مدير مكتب وكالة الأنباء الأمريكية في البحرين اسوشيتدبرس كتابا عن فن كتابة الخبر الصحفي ،قرأت الكتاب الذي ظل مرجعا وملهما لي لسنوات طويلة الى ان تأسست جريدة الأيام في العام 1989 فاحتجنا وقتها الى توظيف عدد من الصحفيين والصحفيات بسرعة قياسية بغض النظر عن مؤهلاتهم وتخصصاتهم وقدراتهم الكتابية ، وذلك لمواكبة احتياجات الصحيفة الصاعدة ،ولم يكن الوقت المتاح يسمح بالانتظار والصبر والتدريب فاستعنت بهذا الكتاب، وكنت اعيره الى الصحفيين المستجدين الواحد تلو الاخر الى ان وصل في النهاية الى يد صحفية صغيرة في العمر ومنعدمة الخبرة ،عملت معنا لفترة قصيرة لا تتجاوز الاشهر ثم تعرضت لحادث سير أقعدها عن العمل فتركت الصحيفة ،اختفت واختفى معها الكتاب.

الكتاب يتحدث عن الخبر الصحفي والقصة الخبرية ،وفي الغرب يسمونها القصة ، والتي ارى ان مسماها اجمل واوقع ، ومن الامور المهمة التي يقولها الكتاب ان القصة الخبرية لا تتضمن الوقائع الجلية الظاهرة للعيان بل ما قد تنطوي عليه من قصص خبرية مستبطنة ، والخبر الإبداعي من وجهة نظر الكاتب ليس المكتمل العناصر المستوفي للشروط الصحفية والفنية فحسب ولكنه ذلك الخبر الشيق الممتع المكثف المركز والذي يتبين منه ومعه حجم المجهود الذي بذله الصحفي في طرح الاسئلة الذكية و المستفيضة والتفصيلية ، خصوصا اذا اراد هذا الصحفي التميًز والتفرد في خبر قد يبدو اعتياديا ومتاحا لكل وسائل الاعلام ، ومن جملة ما يقوله الكتاب : ان الخبر هو ما نستشفه او ما نحدس به قبل حدوثه عبر الملاحظة الدقيقة او عبر ما قد يختفي في التصريحات المعتادة والعابرة ، لذا يجدر بالصحفي أن ينمي الحاسة السادسة لديه كحاسة الطيور والحيوانات التي تتنبأ بالعاصفة قبل حدوثها .

ولقد رأينا من حلال تجاربنا الصحفية كيف يحتضن بعض الصحفيين العاشقين لمهنتهم قصصهم الاخبارية ويتبنونها ويتفننون فيها ويتابعونها ليل نهار ويعملون فكرهم وابداعهم وخيالهم وتجاربهم لربط حلقاتها واستجلاء غموضها واستنفاذ كافة امكاناتها، ولهذا نرى ان القصص الاخبارية المخدومة ترفع من شأن الصحيفة وتميزها عن غيرها ، كما تعد خير معين لكتاب الروايات والمسلسلات والافلام الدرامية ، منها يستلهمون الافكار والحبكات ، فكيف يستهين الصحفي بالقصة الخبرية ؟

وفي صحافتنا العربية يتميز كتاب المقالات واعمدة الرأي دون المخبرين او كتاب الخبر برغم اهميتهم وتصدر اسماءهم الصفحات الاولى ، كما يتقاضون الرواتب الادنى والمكانة الاقل، والسبب يعود الى استسهال كتابة الخبر واعتباره مجرد مادة خام اوليه ولا مجال للأبداع فيها ، ونعلم بداهة ان القصص الخبرية في الدول ذات السقف المحدود صحفيا تتعرض هي الاخرى للمحاصرة والتضييق وربما المنع ، بيد ان ذلك لا يمنع من المحاولة والقفز على الحواجز ، والصحفي الجاد الحريص الملم بالبيئة التي يعمل ضمن نطاقها ومقتضياتها وشروطها ومحاذيرها يستطيع ان يقتطع لنفسه مساحة من الحرية اكثر من غيره مستعينا بسلاح الدقة والموضوعية والحياد والمصداقية ويلج فضاءات جديدة ويكرس نفسه شيئا فشيئا كمخبر محترف ، ويحول اخباره الصحفية الى قضايا رأي عام من شأنها ان تحدث تغييرا كبيرا في المجتمع ، وقد تلحلح قوانين واجراءات واعراف سائدة وجامدة ، او ربما تفرز وعيا مجتمعيا جديدا عبر تطرقها الى زوايا مهملة تشي بمخاطر قادمة .

لقد تركت العمل الصحفي منذ اعوام ولا زلت اقرأ الخبر بعين الصحفي، واقارن بين القصة الخبرية التي تناولها هذا الصحفي او ذاك في الصحف الورقية والالكترونية اوعلى وسائل التواصل الاجتماعي او صحافة الفيديو، وفي الغالب اجد ان الخبر المنشور او المبثوث كان يستحق اهتماما اكبر، وان بالإمكان اليوم كتابة خبر افضل واجمل في ظل العالم الرقمي ذو الامكانات العديدة والمتطورة والمتنامية.

واختتم بالقول : ان التغييرات التكنولوجية المتسارعة وما تتيحه الاجهزة الذكية والأجيال الجديدة من شبكات التواصل من إمكانات وقدرات ، تصب كلها في صالح الصحافة والخبر الصحفي السريع والصحيح والمدعوم بالأدلة التي يصعب احتواءها أو تكذيبها كما هو جاري الحال راهنا او سابقا ، ما يحتم على الدول

والانظمة السياسية في كل العالم العربي عدم الاكتفاء بتهيئة البيئة التحتية المطلوبة للأنترنت المتطور فحسب ، بل تغيير البنية الذهنية والفكرية السائدة ، والمسارعة الى انجاز قوانين اعلامية متطورة لمواكبة هذا الواقع ، كي لا يجرفنا جميعا طوفان التغيير ، فتصير القوانين في واد والدنيا في واد آخر .



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved