الجذور
لم يستطيع أجدادنا العرب أن يواصلوا حياتهم في أقليم نجد بعد أن بخلت عليهم السماء بأمطارها زمناً طويلاً ، وجفت الواحات في الصحراء ، ونضبت آبار المياه بها، و فرشت المجاعة بؤسها على هذه البقعة من جزيرة العرب لتدفع الباحثين عن حياة أفضل إلى الهجرة في بلاد الله الواسعة.
ولم يكن قرار رحيل هؤلاء الأجداد يسيراً عليهم. بل كان مؤلماً وقاسياً. إذ كيف يتركون أرض آبائهم و أجدادهم إلى بلاد غريبة لا يعلمون عنها شيئاً.. لكنهم قوم تجار، فطروا على حب المغامرة و لا يهابون المجهول. لذا بدأوا في شد الرحال للهجرة. وبعد سفر شاق و طويل، وصلوا إلى أقليم الدشتية على الساحل العربي الفارسي من الخليج العربي. وعندما استقروا به، لم يجدوا أفضل من الجد عبدالله لكى يكون مسؤلاً عن أحوال القبيلة، و لقبوه ((عبدالله الرئيس)) و عندما فكر هذا الجد بعد عدة سنوات في الزواج لم يجد أفضل من قبيلة الجواسم المعروفة في ذلك الإقليم ليتزوج إحدى فتياتها.
مضت الحياة به مع زوجته و أبناؤه الثلاثة سهلة يسيرة. إلا أن الحنين إلى أرض آبائه العرب ظل يملئ قلبه بالحسرة و الأمل في أن يستقر يوماً هو و أبنائه في بلد عربي آخر. و كأن الله سبحانه أراد أن يحقق هذه الأمنية لأبنائه، عندما اقتضت الظروف أن يرحل أجدادنا فيما بعد إلى البحرين، ليستقروا بها.
و لم يمتد العمر بالجد عبدالله، ففي عام (( ٨٧٠هـ))توفي عن عمر يناهز الثمانين عاماً. ثم مضت حقبة طويلة لم يتم تسجيلها تاريخياً، حتى استقر أحد أجدادنا و يدعي ((حسن)) في مدينة ((دسفول)) بفارس .
كان الشيخ جبارة النصري وهو من آل مذكور قد بسط نفوذه في تلك الفترة على معظم دول الساحل الشرقي المطل على الخليج العربي، ومنها البحرين التي استولى عليها هذا الشيخ قبل حكم آل خليفة وظل مسيطراً عليها أكثر من ثلاثين سنة.
وكان هذا الحاكم أثناء توليه الحكم يقرب إليه العرب (الهولة)الحولة، ، ومنهم بعض أفراد قبيلتنا، فكان يتصل بهم في مدينة دسفول و يكرمهم عند زيارتهم إلى البحرين وفي يوم اقترح الشيخ جبارة النصري على أجدادنا أن يهاجروا إلى البحرين وكانت فرصة رائعة أمامهم لكي يحققوا حلمهم و حلم آبائهم بالعودة إلى بلد عربي .. يذكرهم ببلاد أجدادهم ((نجد)) التي رحلوا عنها يوماً بسبب المجاعة. إلا أن القدر لم يسمح لهم بتحقيق هذا الحلم، فقد قام السلطان نادر شاه بعزل الشيخ جبارة النصري وهو في طريقه إلى الحج. ولم تتم الهجرة مثلما أرادوا.
و مرت فترة زمنية لم تتوفر لدينا حقائق مدونة عنها إلى أن هاجر لظروف خاصة الجد عبدالله بن حسن إلى إقليم كشكناز طالباً حماية حاكم الإقليم الشيخ عبدلله الحرمي، الذي منحه إياها و وافق على زواجه من شقيقته التي كانت تنتسب إلى قبيلة المداجية المعروفة في ذلك الاقليم..
وقد أنجبت له هذه الزوجة أبناً أسماه ((حسن)) حيث نشأ في ظل أخوانه من قبيلة المداجية التي عرفت بحب الخير و مساعدة المحتاجين.
و بسبب اعتزاز هذا الجد بقبيلة والدته تزوج إبنة خالته و كانت تدعي(( المنه نباش)) و أنجبت له أجدادنا إبراهيم حسن عبدالله الذي لقب فيما بعد ((ابراهيم الأول)) نظراً لتعدد أسماء إبراهيم بين أبناء العائلة و يوسف حسن عبدالله المعروف بإسم ((يوسف الشتر)) وقد لقب الأخير الشتر بسبب طول قامته و قوة بنيته تشبهاً بالخشب أي ((الشتر بالفارسية)).