آخبار عاجل

المتقاعد وكنز المعرفة .. بقلم : السفير خليل الذوادي

10 - 07 - 2019 1:11 547

كنا نراهم في المقاهي والمجالس وفي فيِّ العصر وهم يتحدثون عن أيامهم وتجاربهم وربما مغامراتهم في البحار وفي بلاد الغربة بحثاً عن لقمة العيش الحلال، كانت أعمارنا غضة لم نكن نشعر بمدى شعورهم بالزهو والفخر والاعتزاز، وكنا أحياناً نصفهم بالمبالغة، لكننا كنا نأنس لأحاديثهم ونحسدهم على هذه الأفكار المرتبة والذاكرة الحديدية التي تلم بتفاصيل التفاصيل، وعندما يغيب أحدهم عن مجالس السمر نفتقده وكانوا يحرصون على أن نكون بكامل انتباهنا ويقظتنا نستمع إليهم وتكون قلوبنا مفتوحة وصبرنا واحتمالنا يقظين بحيث تكتمل الصورة لديهم، فقد شعروا بالواجب في نقل المعلومات والصور والأحداث إلينا بكل أمانة وصدق كي نكون مثلهم ونقتدي بهم، ونواجه الحياة بصعابها ومشاقها وما تحمله من ضنى بمثل ما هم واجهوها وتغلبوا على مصاعبها وشقوا طريقهم في الحياة وتحملوا مسؤولية بناء الأوطان.

جربوا يوماً أن تجلسوا مع أولئك المتقاعدين، واختاروا ما شئتم من وظيفة أو مهنة تقلدوها واستمعوا إليهم بكل جوارحكم وبما تملكون من إرادة اختيار المعرفة من أفواههم وليس من وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقسيماتها وألوانها وأشكالها. عيشوا تجربة أناس كانوا في يوم من الأيام ملء السمع والبصر، فستجدون متعة في الحديث إليهم ولن تندموا، فستضيفون إلى معلوماتكم معلومات مجربين أخفقوا نعم ولكنهم أيضاً أدركوا متعة النجاح والتفوق في حياتهم العملية.

كلما مر في خاطري والتقيت قدرياً بأولئك المتقاعدين أو بعضهم، أدركت كم نحن مقصرين في عدم الاستفادة من تجارب هؤلاء وخبرتهم، ودراسة الظروف التي كانت تحيط بهم وتواضعنا قليلاً للمعرفة التي يتحلون بها، فهم مهما تواضعت مسؤولياتهم فهم بلا شك لديهم ما يمكن أن نستفيد منه ونتخذه زاداً في حياتنا؛ فالمرء منا تتراكم عنده الخبرة من خلال جهده وتعبه وعلمه، كما تتراكم الخبرة لديه من خلال التواصل مع الآخرين والرغبة في الاستفادة من التجارب والخبرات السابقة.

هذا على الصعيد الفردي والتواصل الإنساني بين بني البشر، قطعاً سنستفيد من هؤلاء الرجال والنساء المتقاعدين على مستوى الوطن، فكل واحد من أفراد مجتمعنا يدرك قيمة أن يكون مواطناً مخلصاً لتراب الوطن وسيكون مدافعاً عنه ولن يبخل في أن ينقل خبرته وتجربته لأبناء وطنه وسيكون جاهزاً لتقديم ما أفاء الله عليه من علم ومعرفة وإدراك وتجارب قد تكون صالحة لفترة من الزمن أو لمرحلة في غاية الأهمية للوطن.

فالأوطان بحاجة إلى خبرات السياسيين والاقتصاديين والمهنيين وأصحاب الفكر والإبداع وبحاجة إلى كل يد خير تمتد للوطن والمواطنين.

 المتقاعدون أخطر شيء على حياتهم شعورهم بالتهميش، وبأن لا دور لهم في معترك الحياة، فهذا شعور مؤلم، وعلينا أن نبذل الجهود لإدماجهم في المجتمع وإشعارهم بأهميتهم وضرورة مساهمتهم في البناء والنماء.

أتذكر أن أحد الغربيين من بريطانيا كان يشغل منصباً رفيعاً في إحدى الشركات الخاصة في بلادي، وتعرفت عليه من خلال دورات تدريبية كان ينظمها لنا نحن الإداريين، وعندما حان موعد تقاعده طلب منه التوجه إلى إنجلترا ليحضر دورة تدريبية على كيفية العيش بعد التقاعد وما الأدوار التي من الممكن أن يقوم بها، وكيف يستفيد المجتمع من خبراته وتجاربه. وأدركت ساعتها أن التدريب لا يقف عند حد، ولا يقف عند عمر زمني وأن لكل مرحلة علمها وخبرتها وتجربتها، وأن المرء ما دام يتنفس الهواء فهو مكلف بأن يسهم في بناء مجتمعه وينقل خبرته لمن سواه.. وإننا مطالبون بأن نعد أنفسنا إذن لما بعد التقاعد وما هي الأدوار التي تناسبنا؟ وما هي واجباتنا ومسؤولياتنا كمواطنين تجاه أوطاننا ومواطنينا ؟.

التقاعد سُنّة الحياة ولكي تتحمل الأجيال مسؤولياتها لا بدّ من إفساح المجال لها وتذليل العقبات والصعاب لها وتوفير الوظائف والمهام الضرورية لهم ولبناء الوطن وبما يحفظ للمجتمع منعته وقوته وأداءه للأدوار المنوطة به، والمتقاعدون يستطيعون أن يفيدوا ويسهموا في جوانب قد تكون بحاجة إلى إضاءات ضرورية بحكم المعايشة والتجارب المتعددة والمتباينة.

المتقاعدون أعزائي كنز من المعرفة وعلينا أن نستفيد من خبراتهم وتجاربهم فالحياة أخذ وعطاء وتستقيم الحياة بتعاون وتكاتف الجميع.

وعلى الخير والمحبة نلتقي



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved