تقاس البلدان والدول بما تملك من رصيد تراثي وآثاري وحضاري وتقدم علمي لخير الإنسانية والبشرية عموماً، ومملكة البحرين لها من الرصيد الحضاري ما هو ضارب في الجذور وشواهده ماثلة إلى اليوم من خلال مدافن دلمون، ومتحف البحرين الوطني بالمنامة ومتحف قلعة البحرين ومواقع آثارية ومعابد وقلاع كلها شواهد على أصالة وعراقة البحرين وشعبها الذي تأصلت فيه روح الإبداع والتميز وغرس المحبة والوفاء والانتماء والمساواة وإيمانه بدوره الحضاري في ركب التقدم والرقي والنماء وشعوره بمسؤوليته تجاه ما يملكه من إرث حضاري هو ملك للإنسانية، وقدر لهذا الشعب أن يحافظ على القيم الإنسانية ويغرس روح الانتماء الوطني والإنساني.
وإذا كانت مدافن دلمون على طريق وضعها على قائمة التراث العالمي لليونسكو قريباً جداً في العام الحالي 2019م، فقد سبقها وضع طريق اللؤلؤ على قائمة التراث العالمي لما تمثله هذه المرحلة من تاريخ البحرين وتاريخ المنطقة من شواهد على أصالة وعمق تاريخ البحرين التي لعب اقتصاد اللؤلؤ وقتها دوراً لا ينسى، فكانت مغاصات اللؤلؤ شواهد على الدور الحضاري والاقتصادي للبحرين التي اشتهرت بجزائر اللؤلؤ وقصد إليها كل من كان يطلب الرزق الحلال، وأصبحت مقصداً لكل من يريد حرفة، إضافة إلى أن اللؤلؤ الطبيعي البحريني اكتسب شهرته العالمية إلى اليوم، وحافظت البحرين من خلال تشريعاتها على حماية هذا اللؤلؤ الطبيعي الذي كان في يوم من الأيام مصدراً للرزق وكان مشرعاً للأسواق العالمية التي كانت تنشد الحصول عليه.
وفي هذا المقام لابد من الإشادة بالجهود التي بذلتها هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بأن وضعت طريق اللؤلؤ في مملكة البحرين على قائمة التراث العالمي «وهو الطريق الممتد 3.5 كيلو متراً ويقع في جزيرة المحرق في البحرين ويتألف من سبعة عشر مبنى وثلاث حاضنة محار اللؤلؤ تقع بالقرب من البحر وجزء من الساحل وقلعة بوماهر في الطرف الجنوبي من المحرق، وقد اعتمد الطريق كموقع للتراث العالمي لليونسكو في 30 يونيو 2012م وهو موقع التراث العالمي الثاني في البحرين بعد قلعة البحرين، وهي من أبرز المعالم الأثرية التي تقع قرب العاصمة البحرينية المنامة ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس الميلادي وقد أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي في عام 2005م».
وسنشهد هذا العام الاحتفال بوضع تلال مدافن دلمون على قائمة التراث العالمي لليونسكو كثالث موقع يتم تسجيله عالمياً، وهو إنجاز نشعر نحن أبناء البحرين بالفخر والاعتزاز للانتماء لهذا الوطن أرضاً وتاريخاً وإرثاً حضارياً.
مملكة البحرين إضافة إلى مواقعها الحضارية التاريخية والثقافية، كقلعة البحرين وقلعة عراد وقلعة أحمد الفاتح بالرفاع ومعبد باربار ومسجد الخميس وبيت سيادي وتلال ومدافن حضارة دلمون تلك الحضارة الضاربة في عمق التاريخ والتي تزامنت مع حضارة وادي الرافدين والسند والحضارة الفرعونية، وشهدت تعاقب حضارات حتى الحضارة الإسلامية التي شرفت البحرين بدخول الإسلام إليها منذ البواكير الأولى للفتح الإسلامي المبين.
إضافة إلى كل ذلك فإن مملكة البحرين تؤمن بدورها الحضاري البنّاء في ركب الإنسانية وتشعر بمسؤوليتها الوطنية والقومية تجاه أمتها وتسعى من أجل الخير والبناء والنماء وتؤمن برسالتها الإنسانية التي تغرس المحبة والوفاء وأن يعيش المواطن فيها آمناً مستقراً في ظل دولة يحميها القانون وتسودها روح الانتماء والولاء والمساواة وأن يعيش فيها من يقصدها بروح الألفة والتسامح، ومن هنا نالت مملكة البحرين تقدير المجتمع الدولي من خلال المنابر والمحافل الدولية في أصقاع العالم والإعتراف بدورها الحضاري والإنساني.
إن الجهود التي تبذلها هيئة البحرين للثقافة والآثار جهود مقدرة ونشعر بأن من واجبنا الوقوف مع كل ما يبذل في سبيل قيام مملكة البحرين بدورها الحضاري والثقافي، وإذا كانت البحرين في وقت من الأوقات قد فتحت الأبواب لبعثات تنقيب آثارية من الدنمارك وبريطانيا وألمانيا واليابان وبعثة عربية مشتركة للتنقيب عن الآثار فإنما كان إيماناً من البحرين وقيادتها الرشيدة بأن المكتشفات الآثرية هي إرث إنساني حضاري واختص الله سبحانه وتعالى البحرين لأن تكون حاضنة لهذا التراث الإنساني فإننا اليوم. نشهد أبناء البحرين وهم يواصلون المسيرة ويؤمنون مع قيادة هذا الوطن العزيز بأن لمملكة البحرين الأدوار الإنسانية والحضارية في ركب الإنسانية والتقدم، والبحرين تبني ولا تهدم وتسعى إلى الخير أينما كان وتؤمن برسالتها الوطنية والقومية والعربية والإقليمية والدولية وهي بذلك أحترمها المجتمع الدولي الإنساني وقدر لها جهودها في البناء والنماء والأمن والاستقرار.
ويحق لنا أن نحتفل بهذه الإنجازات في تسجيل مواقعنا الحضارية والآثارية على قائمة التراث العالمي ونؤكد وقوفنا ومؤازرتنا وتأييدنا لقائد مسيرة هذا الوطن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه وحكومته الرشيدة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، في رعايتهم واهتمامهم بحضارة وثقافة ومكانة مملكة البحرين.
إن من يؤمن بتاريخ وثقافة وحضارة بلاده إنما يعيش من أجل الآخرين وأن يكون له الدور في المجتمع الإنساني القائم على العدل والمساواة وحب الخير وغرس بذور المحبة والألفة والعيش المشترك.